أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

تأخر صرف رواتب الموظفين يشل الحياة اليومية في السليمانية

اتهامات متبادلة بالخيانة بين الأحزاب الكردية في مدن كردستان والتسبب بأزمة تأخير رواتب الموظفين في صراع سياسي مع حكومة الإطار التنسيقي والمواطن هو الخاسر الأكبر.

السليمانية – الرافدين

تصاعدت حدة الاحتجاجات والإضراب عن العمل في القطاع العام بمحافظة السليمانية بكردستان العراق.
وشهدت عدة دوائر خدمية إضرابًا عن العمل احتجاجًا على تأخر مرتبات الموظفين لأكثر من خمسين يومًا على إثر تفاقم الخلافات المالية بين حكومتي الإقليم وبغداد، فيما تبادل مسؤولون في الحزبين الكرديين على مستوى حكومتهما الائتلافية التهم بـ”الخيانة” على خلفية تضارب موقفهما من المحكمة الاتحادية وأزمة المرتبات.
وبعد نداءات ودعوات متكررة لمقاطعة الدوام الرسمي في كردستان العراق، ضربت سلسلة طويلة من الاحتجاجات مناطق عديدة، واتسع نطاقها ليشمل ضباطًا وموظفين وأطباء في العديد من الدوائر الرسمية، بعد أن كانت مقتصرة على أساتذة الجامعات والطلاب.
وأعلنت ممثلية الأطباء المقيمين القدامى في السليمانية، تعليق عمل الأطباء بكافة القطاعات الصحية في السليمانية، احتجاجًا على تأخير الرواتب.
وقالت الممثلية في بيان لها إنه بسبب عدم توزيع رواتب شهر شباط ولمدة 54 يومًا، كما أنهم لم يتقاضوا رواتب ثلاثة أشهر في عام 2023 وهو ما جعل الأطباء يواجهون وضعًا اقتصاديًا صعبًا، لذلك قرروا تعليق العمل في كافة القطاعات الصحية في السليمانية وضواحيها والاستمرار فقط في العمل الطارئ.
في غضون ذلك، قال مصدر خاص إن العاملين في المجال الصحي أعلنوا مقاطعة جميع المستشفيات في حلبجة باستثناء الأقسام الحساسة والطوارئ، ولن يعودوا إلى عملهم حتى استلام رواتبهم.
وشهدت شوارع السليمانية غيابًا تامًا لرجال المرور، ما تسبب بمشاكل في عدد من التقاطعات الرئيسية خاصة تلك التي ليس فيها إشارة ضوئية.
واتسع الإضراب ليشمل أكثر من أربعين دائرة في السليمانية وحلبجة ورانيا وكرميان وقلعة دزه وسيد صادق ودربندخان ومناطق أخرى.

إضراب عام يشل الدوائر الخدمية في السليمانية احتجاجًا على تأخر الرواتب

وأصبحت قضية مرتبات موظفي محافظات كردستان العراق تمثل إحدى كبرى القضايا الخلافية بين بغداد وأربيل، خصوصًا بعد قرار المحكمة الاتحادية إلزام حكومتي بغداد وأربيل بتوطين مرتبات الموظفين هناك في البنوك العراقية بشكل حصري (أي دفعها للموظفين عبر حسابات بنكية وبطاقات رواتب)، ما دعا سلطات كردستان العراق إلى الاعتراض، لكن مراقبين يرجحون قبول حكومة أربيل بشروط الحكومة في بغداد لضمان إيصال مرتبات موظفيه الذين يتظاهرون منذ أشهر، خصوصًا في محافظة السليمانية، احتجاجاً على تأخر وصول مرتباتهم.
وقال عضو لجنة الاحتجاجات في السليمانية دانا زنكنة “ستقوم الكوادر التربوية والمحاضرون والموظفون بالتظاهر، وسيستمر الإضراب، وقد تتحول التظاهرة إلى اعتصام مفتوح”.
وأضاف أن “التظاهرة هدفها إيصال رسالة إلى الحكومة الاتحادية بأننا لا نريد توطين رواتبنا إلا في البنوك الاتحادية حصرا، ونرفض مشروع حسابي التابع إلى بنوك حكومة أربيل”.
وتشهد أسواق السليمانية ركودًا غير مسبوق، وغيابًا تامًا لاستعدادات استقبال عيد الفطر المبارك، حيث كانت المدينة تعج بالآلاف من العوائل التي تنزل إلى الأسوق في ليالي رمضان للتبضع والتحضير المبكر للعيد، وذلك بسبب عدم وجود سيولة مالية لدى الشريحة المحركة للاقتصاد في السوق وهم الموظفون.
واتهم المتحدث باسم حكومة كردستان العراق، بيشوا هورامي، طرف سياسي كردي، بتصعيد الأزمة بالتعاون مع حكومة بغداد، في إشارة إلى الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة بافل الطالباني بعد دعمه لقرارات المحكمة الاتحادية.
وعلى الرغم من التأكيدات على جاهزية وزارة المالية في بغداد لصرف جزء محدود من الرواتب، فإن هذا الإجراء لا يبدو كافيًا، لاسيما وانه لا يتضمن رواتب عناصر البيشمركة وعدد كبير من الموظفين، في خطوة يصفها هورامي – بأنها هادفة لإثارة الفتنة والتمييز.
وفي ذات الاتجاه تشير تقارير صحفية إلى أن أزمة تأخير الرواتب تعود لأسباب سياسية معقدة، وسط حديث عن دعم بعض الأطراف السياسية في بغداد الضغوط الخارجية التي تمارس على كردستان العراق، في إشارة إلى تراجع العلاقات بين أربيل وطهران.
وترى أن السلطات الكردية، ومن دون الاتفاق مع حكومة السوداني، ستواجه أزمة مستعصية لاسيما عقب إيقاف تصدير نفط كردستان العراق منذ آذار من العام الماضي.

أسواق السليمانية تخلو من المتبضعين بسبب أزمة الرواتب

وفي مقابل دعوات واسعة لإقالة وزير المالية في حكومة كردستان العراق آوات شيخ جناب المحسوب على حركة “التغيير”، قال شيخ جناب، في لقاء مع مجموعة قنوات محلية إن “بغداد تحاول إشعال النار في كردستان عبر مخططات خطيرة”.
وكانت الحكومة في كردستان تصدّر يوميًا 450 ألف برميل إلى تركيا، لتأمين رواتب موظفيه وإيراداته المالية، بسبب غياب قانون للنفط والغاز ينظم إدارة الثروة النفطية في العراق. غير أن تصديرها للنفط من دون الرجوع إلى الحكومة في بغداد ومن دون التزامها بتسديد ما قيمته 250 ألف برميل إلى بغداد طبقاً لقانون الموازنة الاتحادية، تسبب في مشاكل عميقة بين الجانبين، انعكست تداعياتها الكارثية على مستوى المعيشة لسكان المحافظات في شمال العراق بعد امتناع الحكومة في بغداد عن تسديد مرتبات موظفيه منذ عام 2015، إلا بعد إيفاء الإقليم بالتزاماته المالية حيال بغداد.
وفي ظل هذه المعطيات، تظهر الأزمة المالية كيف باتت قضية الرواتب أداة لممارسة الضغط السياسي ورهانًا يتم تجاذبه بين القوى المختلفة، ليصبح المواطن الكردي ضحية حكومة بغداد وضحية الأحزاب الكردية في أربيل والسليمانية التي تتصارع على السلطة في كردستان العراق، لتظل المعاناة تلوح في أفق الموظفين الذين يجدون أنفسهم عاجزين عن تلبية أبسط احتياجاتهم الأساسية والضرورية.
ولم يتلق موظفو الإقليم سوى رتب شهر كانون الثاني الماضي، وعلى رغم تلقي الحكومة في أربيل مبلغًا يتجاوز 600 مليار دينار، ما يعادل نحو 400 مليون دولار، إلا أنها ترفض إطلاق مرتبات شهر شباط الماضي لحين موافقة بغداد على دفع مبلغ المستحقات كاملاً، بينما تشترط الأخيرة تزويدها بقوائم بيانات مفصلة عن عناصر السلكين العسكري والأمني الكرديين، كما ترفض أربيل الالتزام بقرار توطين المرتبات، وتقول إنها باشرت مشروعًا موسعًا خاصًا بها باسم “حسابي” لتوطينها في مصارف الإقليم، وهو ما ترفضه نظيرتها الاتحادية.

عبد السلام برواري: هناك ضغط وعدم رضا على حكومة كردستان العراق من قبل الأحزاب في بغداد بسبب مواقف أربيل السياسية والإقليمية

ويقول الأكاديمي والباحث السياسي عبد السلام برواري إن “حكومة بغداد تضغط على حكومة أربيل من خلال تأخير الرواتب بسبب مواقفها الإقليمية، ولإجبارها على الالتزام بقرارات المحكمة الاتحادية رغم إنها قرارات غير دستورية”.
وأضاف أن “حكومة بغداد تماطل وتتحجج منذ سنوات في إرسال رواتب موظفي كردستان، لاسيما رواتب البيشمركة بحجة عدم وجود قوائم ثابتة لهذه القوات بينما بنفس الوقت تقوم حكومة السوداني بصرف مرتبات ميليشيات الحشد الشعبي بشكل منتظم رغم أن الجميع يعرف أن هذه القوات لا تملك إحصائية رسمية لعدد قواتها”.
وأكد أن حكومة الإطار التنسيقي هي حكومة ضعيفة تنفذ الإملاءات الخارجية عليها، لذلك فهي تستخدم ملف الرواتب لجعل حكومة أربيل تخضع لقراراتها وتتعمد إطالة الأزمة لقلب الشارع الكردي على حكومة أربيل من خلال التظاهرات.
واشتدت الأزمة بين أربيل وبغداد منذ صدور قرارات عن المحكمة الاتحادية في شباط الماضي تلزم الإقليم بتوطين مرتبات موظفيه لدى المصارف الاتحادية “حصراً”، مع إلغاء مقاعد الأقليات في البرلمان الكردي البالغة 11 مقعداً، التي كانت تحسب ضمن تكتل الحزب “الديمقراطي” الحاكم بزعامة مسعود بارزاني، ما دفع الأخير مع عديد من قوى الأقليات مقاطعة الانتخابات البرلمانية الكردية المقررة في شهر حزيران المقبل، والتهديد بالانسحاب من العملية السياسية في بغداد، قبل أن يعلن لاحقًا أن حزبه “لم يقاطع الانتخابات بل يطالب بإجرائها بعيدًا من التدخلات الخارجية” في إشارة إلى إيران.
واتسعت دائرة الإضرابات في مؤسسات حكومية عدة، إضافة إلى طلاب وأساتذة الجامعات في المناطق الخاضعة لنفوذ حزب الاتحاد الوطني بزعامة بافل الطالباني معلنين، “استمرار الإضراب لحين إطلاق المرتبات واستئناف العمل بنظام الترقية المعطل منذ سنوات”، وجاء ذلك بعد ساعات من إعلان وزير مالية الإقليم أوات شيخ جناب عن ارتهان مرتبات فبراير بإرسال بغداد مرتبات القوى الأمنية والعسكرية، في حين لم تسجل محافظتا أربيل ودهوك الواقعتان تحت نفوذ الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود البارزاني الحاكم أي إضراب.
وأكد الكاتب السياسي كفاح محمود كريم أن أزمة الرواتب التي تفتعلها بغداد جريمة بحق العراق ومكوناته وأن إيقاف عجلة التقدم والازدهار في كردستان وتفقير شعبه واستنزاف اقتصاده جريمة عنصرية بشعة ومحاولة لتصحير وتجديب واحة غناء وحضن دافئ لكل العراقيين الاصلاء.
وطغت الأزمة على لقاءات عقدها رئيس الجمهورية عبداللطيف جمال رشيد مع رئيس المحكمة العليا جاسم محمد عبود وعدد من أعضائها، وكذلك مع السفيرة الأمريكية إلينا رومانوسكي، في وقت صدرت ردود فعل غاضبة داخل “البيت الكردي”، فقد كشف النائب في البرلمان الاتحادي عن “جماعة العدل” المعارضة في كردستان العراق سوران عمر عن وجود “ملاحظات كثيرة على قوائم مرتبات موظفي الإقليم، وعلى رغم ذلك فإن حكومة بغداد أرسلت المستحقات المالية لشهر شباط”، وتساءل “كيف يمكن المطالبة بمرتبات الشهر الجاري طالما ترفض حكومة أربيل دفعها لموظفيها؟”، نافيًا مزاعم وجود عجز مالي لتأمين المرتبات قائلاً إن “كردستان العراق ما زال يبيع النفط بطرق مختلفة على رغم تعليق صادراته إلى تركيا، وقد أقر وزير المالية بأن كل برميل يباع بنحو 30 دولاراً”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى