أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

أجهزة الدفع الإلكتروني في محطات الوقود تزيد من معاناة العراقيين

تخوف من استخدام البطاقة المصرفية في محطات الوقود بعد استقطاع مبالغ أكبر من قيمة البنزين وأغلب العاملين في المحطات لا يجيدون التعامل مع أجهزة الدفع الإلكتروني بعد فشل النظام بكثرة عمليات الرفض التي يصدرها.

بغداد – الرافدين
سجل عدد من أصحاب المركبات في الكثير من المحافظات العراقية محاولات “فاشلة” للدفع عبر البطاقة الإلكترونية أثناء محاولتهم التزود بالوقود من المحطات بالتزامن مع إجبار حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني المواطنين على النظام الإلكتروني بدلًا من الدفع النقدي.
ومنذ اعتماد نظام الدفع الإلكتروني في جميع محطات الوقود يساور القلق العديد من المواطنين لأسباب عديدة أبرزها انعدام الثقة بالنظام المصرفي وغياب الثقافة الإلكترونية وعجز الحكومة في التعامل مع الإشكاليات المرتبطة بهذا القرار.
ويواجه عراقيون صعوبات جمة في التكيف مع هذا القرار في ظل بيئة اقتصادية ومصرفية هشة لا تتحمل تبعات الدفع الإلكتروني ومواكبة الطفرات التكنولوجية في ظل غياب الآليات الداعمة لها وانعكاساتها السلبية على المواطنين.
ووثق مواطنون معاناتهم من عطل أجهزة الدفع الإلكتروني في محطة تعبئة العطيفية في العاصمة بغداد.
وعلى الرغم من تكرار محاولة الدفع ثلاث مرات إلا أن النتيجة هي رفض معاملة الدفع.
ومن بين الإشكاليات التي طرحها عدد من المستخدمين للدفع الإلكتروني في المحطات أنه توجد عملية تأخير خلال عملية الدفع الإلكتروني، وبعد فترة انتظار فاقت عشر دقائق، واجه البعض رفض الجهاز لبطاقته الإلكترونية دون معرفة الأسباب.
وشهدت محطات الوقود في مدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى منذ أيام رفض أجهزة الدفع للمئات من بطاقات الدفع الإلكتروني لسائقي المركبات أثناء تعبئة البنزين وتسديد مبلغ شراءه.

مراقبون: العراقيون يواجهون صعوبات مع إلزامية الدفع الإلكتروني في محطات الوقود في ظل بيئة اقتصادية ومصرفية هشة لا تتحمل تبعات الدفع الإلكتروني

وبحسب عدد من المواطنين فإن “أجهزة الدفع المالي في محطات الوقود ترفض البطاقات الخاصة بالمواطنين، حيث يتم قبول عدد بسيط ورفض الأغلبية ودفعهم إلى الذهاب إلى شركة قريبة من المحطة لشراء بطاقة دفع مقابل مبالغ مالية ومن ثم يقوم الجهاز بقبولها فورًا دون مشاكل”.
وقال المواطن سيف المجمعي، إن “أجهزة الدفع في محطة أشنونا، وهي أكبر محطة تعبئة وقود في بعقوبة، ترفض أكثر من نصف البطاقات بحسب مشاهداتنا اليومية، حيث يتم رفض بطاقات معظم الموظفين والمتقاعدين وغيرهم لدفعهم إلى الذهاب باتجاه كشك قريب من المحطة لشراء بطاقة إلكترونية خاصة بشركة معينة وتعمل بشكل انسيابي”.
وأضاف إن “المحطات متعاقدة مع هذه الشركة على ما يبدو، وأجهزة الدفع في المحطات تابعة لهذه الشركة، وبالتالي ترفض الكثير من البطاقات التابعة للمصارف الحكومية وغيرها، وتقبل البطاقات التي تبيعها للمواطنين بسعر 10 – 12 ألف دينار للبطاقة الواحدة بالإضافة لمبلغ الشحن والعمولة”.
وقال المواطن علي الناصري إن “الكثير من المواطنين وأنا منهم، نعتقد بوجود تواطؤ بين الجهات الحكومية وشركة الدفع المتعاقدة مع محطات بعقوبة ليحدث كل هذا”.
وأشار إلى أن “بطاقة الراتب الخاصة بمصرف الرافدين (ذات اللون الأخضر) رفضت ثلاث مرات في المحطة، وعند امتناعي عن الذهاب للشركة القريبة من محطة اشنونا، وتوجهي إلى مصرف الرافدين بشكل مباشر للاستفسار، قالت لي موظفة المصرف إنه يجب أن أحصل على بطاقة شخصية جديدة من المصرف، وبالفعل حصلت على بطاقة من المصرف ذات لون أسود مقابل 10 آلاف دينار أيضًا وتم تفعيلها بشكل طبيعي وقمت بتعبئة سيارتي دون رفض”.
وبين الناصري أن “هذه الإجراءات تستنزف جيب المواطن بكل الأحوال سواء عبر الشركات الأهلية أو عبر المصارف الحكومية ومن المفترض أن تقبل الأجهزة في المحطات كل البطاقات دون مشاكل”.
وسبق أن وصف تقرير سابق لموقع “ريست أوف ذا وورلد” العراق بالمعزول عن النظام الاقتصادي العالمي، مشيرًا إلى انقطاع العراقيين عمومًا عن أنظمة الدفع الرقمية المعتمدة عالميًا، والتي أصبحت من بديهيات تعاملات الشركات في أنحاء العالم كافة.
ويمتلك خٌمس العراقيين حسابات مصرفية وفقًا للبنك الدولي، في الوقت الذي يفتقر العراق إلى وجود مقدمي خدمات الدفع العالمية. بسبب استمرار “ثقافة الكاش” السائدة في العراق حيث ينقل الحمالون أكوامًا من الدينار العراقي والتومان الإيراني والدولار الأمريكي حول المكاتب الضيقة.
وعلى الرغم من أن بعض المصارف في العراق تصدر بطاقات ائتمانية، إلا أن استخدامها بقي في نطاق محدود، كتسلم حوالات خارجية على سبيل المثال، وعادة ما تكون أجهزة الصراف الآلي قرب فروع البنك فقط، ولا تنتشر في أغلب الأسواق المحلية، ما دفع المواطنين إلى الاعتماد على البطاقات المعبأة مسبقا لاستخدامها في مواقع الإنترنت، كدفع مستحقات أو الشراء.
ويرى محمد علي وهو سائق سيارة أجرة، أن “هناك تخوف لدى المواطنين، وأنا منهم، من استخدام البطاقة المصرفية، حيث نتوقع استقطاع مبالغ أكبر من قيمة البنزين عند إدخال البطاقة لجهاز السحب، فأغلب العاملين في محطات الوقود لا يجيدون التعامل مع أجهزة الدفع الإلكتروني، ولا بد من إدخالهم دورات على هذه الأجهزة”.
وأضاف محمد علي، أن “هذا الأمر، تسبب بظهور نوع جديد من التجار، الذين يسحبون البنزين من محطات الوقود بطرق عديدة، ويبيعونه في الطرقات إلى الأشخاص الذين لا يمتلكون بطاقات مصرفية أو يتخوفون من استخدامها”.
ويرى أبو عقيل وهو سائق سيارة أجرة في محافظة المثنى، أن “هذا القرار مستعجل ولم يخضع للدراسة، خصوصًا وأن الأرضية غير مهيئة للتعامل الإلكتروني بالعراق، وليس بمستوى يتيح التحول من النقد إلى الدفع الإلكتروني، فضلًا عن عدم امتلاك المواطنين لبطاقات الماستر كارت، التي تتيح لنا التعامل مع الجباية الإلكترونية بشكل جيد، لا سيما وأننا من غير الموظفين”.
ويلفت إلى أن “تطبيق القرار بشكل إلزامي، يضيف أعباء مادية، نحن في غنى عنها مثل كلفة إصدار البطاقة وإجبار المواطن على تعبئة البطاقة بمبلغ معين قد لا يستطيع المواطن توفيره مما سيؤثر هذا الأمر بشكل سلبي على المواطن، وينعش من جانب آخر السوق السوداء للوقود”.
واستغرب أحد المواطنين من فشل نظام الدفع في محطات الوقود حيث قام بدفع مبلغ 10 آلاف دينار عراقي لغرض التزود بالوقود، وعند امتلاء خزان السيارة عند مبلغ 6 آلاف دينار لم يتمكن من استرداد المتبقي من المبلغ، ليبلغه العامل بوجوب انتظاره أحد الأشخاص الذين يودون تعبئة سياراتهم ليأخذ منهم المبلغ.

مواطنون: العراق غير مهيأ للتعامل الإلكتروني، وفرض نظام دفع جديد سيفسح المجال للجباية الإلكترونية

ويرى عدد من المدونين على منصات التواصل الاجتماعي أن فرض نظام الدفع الإلكتروني خطة ممنهجة ومدروسة مسبقًا الغرض منها ليس فرض الأمان والقانون بل السرقة لتعويض رسوم بعض المشاريع الثانوية التي تنجزها حكومة السوداني، ودعم الفاسدين من المسؤولين المتنفذين
وبينوا أن “أغلب الدول الدفع فيها اختياري نقدي أو بالبطاقة الإلكترونية، ويجب إعادة النظر بالموضوع ويكون اختياري للمواطن فالعراق فيه أزمات متراكمة ولا يتحمل أزمات جديدة”.
وأكدوا أن هذه “مهزلة جديدة من مهازل حكومات الصدفة وطريقه لسرقة المواطن فأغلب المواطنين لا يعرفون كم القيمة الواجب دفعها فالأولى أن تتم التعبئة ومن ثم الدفع في ظل غياب آليات إعادة المبالغ”
وبينوا أن “القرار فاشل وتم تطبيقه بصورة عشوائية بدون خطط مدروسة وكل دول العالم تواكب التطور لتسهيل الحياة على المواطنين إلا في العراق التطور يكون للتعقيد الأمور ولزيادة عمليات سرقة المواطن لغياب الآليات التي تسهل الاندماج مع النظام الإلكتروني وفشل النظام المصرفي في العراق”.
وسبق أن أكدت السفيرة الأمريكية في العراق ألينا رومانوسكي خلال تصريحاتها لوكالة رويترز “إن العديد من العراقيين لا يثقون حقًا بالنظام المصرفي هنا ولديهم سبب وجيه لعدم القيام بذلك”.
وأكد مصدر اقتصادي عراقي مطلع على أن حكومة محمد شياع السوداني ستكون كسابقاتها، وليس بمقدورها تغيير النظام المصرفي المتخلف.
وقال المصدر المطلع على عمل البنك المركزي العراقي، بمجرد حساب عمليات الصيرفة النقدية المباشرة “كاش” في العراق ومقارنتها بالعمليات الإلكترونية، نكتشف استحالة إنقاذ هذا النظام المصرفي من دون تغيير جذري شامل خارج سطوة كارتلات الفساد.
وأجمعت مصادر سياسية واقتصادية على أن النظام المصرفي المتهالك في العراق عاجز عن التحول إلى نظام رقمي في الوقت الحاضر.
وقالت إن “سيطرة كارتلات فاسدة تفضل نظام الدفع النقدي المباشر على النظام الرقمي لتمرير صفقات وتحويلات لا تخضع للمراقبة”.
وعزا خبراء اقتصاديون الأسباب إلى أن العمليات المالية الإلكترونية تكشف الصفقات غير الشرعية وكمية المال المهرب وغسيل الأموال التي تتم بطريقة الدفع المباشر.

عبد السلام حسن: الأزمات السياسية المتتالية في البلاد وتأميم المصارف والاستيلاء على أموال المودعين، أفقدت العراقيين الثقة بالمصارف، مما أدى إلى تخزين الأموال في المنازل

ويشير الخبير الاقتصادي، أحمد عيد، إلى أن “القطاع المصرفي في العراق يعاني من تشوهات في هيكليته العامة، مثل نقص التمويل وضعف الإيداع النقدي من قبل المواطنين”.
ويعزو سبب تجنب الأفراد للإيداع إلى غياب التسهيلات والعروض التي تحفز المواطنين على وضع أموالهم في المصارف الحكومية أو الخاصة.
وأكد على أن غياب الثقة في القطاع المصرفي من قبل المواطنين، يعود إلى السياسة المالية التي يتبعها البنك المركزي.
وقال الباحث الاقتصادي عبد السلام حسن، إن “أغلب المصارف الأهلية تعود لأشخاص متنفذين أو لأولئك الذين يمتلكون علاقة معهم، ويغلب على ملكيتها أشخاص خارج البلاد”، مشيرًا إلى “وجود تهريب واستغلال كبير لأموال المودعين، مسببًا خسائر لهم، كما حصل في المصرف التجاري العراقي والإسلامي، حيث تم الكشف عن ملفات فساد كبيرة لحمدية الجاف خلال العام الماضي”.
وأضاف أن “الأزمات السياسية المتتالية في البلاد وتأميم المصارف والاستيلاء على أموال المودعين، أفقدت العراقيين الثقة بالمصارف، مما أدى إلى تخزين الأموال في المنازل، وبالتالي فإن الأموال المودعة في المصارف لا تزيد عن 15 في المئة من حجم الكتلة النقدية العراقية”.
وقال رئيس غرفة التجارة في ديالى محمد التميمي في وقت سابق إن “الملف الاقتصادي والمالي في العراق يحتاج إلى خارطة طريق تسهم في تصويبه خاصة مع كثرة الأخطاء في آليات التعامل مع الأزمات ناهيك على دفع بوصلة الاعتماد على بيع النفط كمورد أساسي لخزينة البلاد”.
وأشار التميمي أن “65 بالمائة من الأموال مكتنزة في بيوت العراقيين وهذا خطأ فادح كانت أسبابه متعددة أبرزها فشل في خطط جذب الأموال على مدار عقود طويلة”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى