أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

حكومة الإطار ترفع عصا القضاء بوجه الناشطين مع عودة مسلسل الاغتيالات

حكومة محمد شياع السوداني تتخذ خطوات استباقية وتحرك دعاوى قانونية ضد الناشطين والصحفيين للحد من تأثيرهم على الرأي العام الناقم بالأساس على التخبط والفشل الحكومي بمختلف الأصعدة.

بغداد – الرافدين

حذرت أوساط حقوقية وإعلامية من تصاعد وتيرة الانتهاكات ضد الناشطين والمتظاهرين ممن يرفضون الفساد الحكومي في العراق في محاولة جديدة لإطفاء جذوة الحراك الشعبي الذي ارتفعت درجة غليانه مجددًا بعد الإخفاقات الحكومية على الصعيد السياسي والخدمي.
وتنوعت أشكال الانتهاكات المسجلة مؤخرًا ما بين عمليات اغتيال طالت متظاهرين فضلًا عن تحريك دعاوى كيدية وشكاوى ضد مؤثرين وإعلاميين ضمن حملة ترهيب تحاول من خلالها حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني القضاء على الأصوات المناهضة لها.
وشهدت محافظة ذي قار التي تعد من أبرز المحافظات المنتفضة إبان ثورة تشرين عملية اغتيال طالت الناشط والمتظاهر، مؤتمن سهير العسكري، من قضاء سوق الشيوخ تزامنًا مع حلول عيد الفطر المبارك.
ولقي الناشط مصرعه بعد قيام مسلحين يستقلون دراجة نارية بإطلاق 4 إطلاقات نارية عليه وسط مدينة الناصرية، ما أدى إلى وفاته في الحال بعد سنوات على إصابته بجروح خلال مشاركته في ثورة تشرين.
وقال والد الضحية، في مقطع فيديو متداول إن ما حدث “جريمة اغتيال بحتة”.
ونفى أن يكون ابنه قد قضى إثر نزاع عشائري، كما يحاول الإعلام الحكومي تسويق ذلك للتغطية على حيثيات الجريمة.
وطالب الأب المكلوم بفتح تحقيق في الجريمة والوصول الى الجناة وإنزال أقسى العقوبات بحقهم.

وعلى الرغم من إعلان زعماء الأحزاب والسياسيين في أكثر من مناسبة، أن أبرز ما نالته البلاد، بعد عام 2003، هو حرية التعبير عن الرأي، إلا أن ذلك بات محل تندّر خلال السنوات الأخيرة بعد أن شهدت البلاد زيادة في عمليات اعتقال المدونين والناشطين، إلى جانب اختفاء عدد غير قليل منهم، فضلًا عن اغتيال آخرين.
ودفعت هذه الانتهاكات إلى لجوء الكثير من الناشطين إلى استخدام أسماء مستعارة لتجنب الملاحقات القانونية وعمليات التصفية التي تنفذها الميليشيات.
ووفقًا لمسؤول في هيئة الإعلام والاتصال في العاصمة العراقية بغداد، فإن أكثر من نصف العراقيين الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي يمتلكون حسابين على منصتي فيسبوك أو منصة إكس، يُستخدم أحدهما للتعبير عن الآراء السياسية والتعليق على الأحداث العامة في البلاد بحرية من دون خوف من الملاحقة والتهديد، عبر استخدام اسم وصورة وهميتين.
ويلفت المسؤول الذي رفض الكشف عن هويته، إلى أن استطلاعًا للرأي أجري أخيرًا من قبل أحد المراكز البحثية المعنية بشؤون الإعلام في بغداد، يدعم هذه النسبة، إذ تبيّن أنّ أكثر من 50 بالمائة من العراقيين يفضلون كتابة آرائهم السياسية والتعليق على الأحداث بأسماء غير أسمائهم، خوفًا من الملاحقة التي تتعدد مصادرها ولا تقتصر على السلطات فقط، بل من الجهات المسلحة، ومن العشائر وحتى على مستوى الافراد، والمسؤولين المحليين والمتنفذين والتي قد تنتهي بالتصفية الجسدية”.
ولا توجد أية أرقام رسمية توثّق عدد من تم اعتقالهم أو اغتيالهم واختطافهم من ناشطي ومدوني العراق، لكن الأكيد أن الأرقام تصاعدت بعد تشرين الأول 2019، الذي شهدت فيه مدن جنوب ووسط العراق، ثورة شعبية واسعة للمطالبة بالخلاص من نظام المحاصصة.
ولاحقت أكثر من دعوى قضائية، ناشطين ومدونين في محافظات مختلفة، وبوقت متزامن، سواء بتحريك دعاوى قديمة أو الشروع باتهامات جديدة، ما أثار الشكوك حول أهدافها.
ففي البصرة، يؤكد الناشط حسين الكناص أن أكثر من ثلاث دعاوى كان متهمًا بها سابقًا أعيد تحريكها الآن من جديد، بسبب “عدم سكوتنا كناشطين عن المخالفات والفساد العام في المشاريع، هي حملة لتكميم الأفواه في البصرة وجميع المحافظات، مجهزة بتنسيق عال”.
ويعتقد الكناص أن “سكوت الجمهور يجعل الناشطين عُزلا أمام هذه الدعاوى، للأسف الكثيرون ارتضوا برواتب الرعاية الاجتماعية وتركوا الفاسدين يعبثون بمقدرات البلد”.
ولفت إلى أن “جميع الناشطين هنا في شمال البصرة تلاحقهم دعاوى قضائية منهم حسين الشحماني وفؤاد ناصر ومحمد جبار وغيرهم”.
وعلى الرغم من أنه يشدد على أن هذه الملاحقات لن تثنيهم عن النقد والاستمرار في فضح عمليات الفساد، إلا أن الناشط يتأسف على “الملاحقة القضائية للناشطين في وقت تنتشر فيه الكثير من عصابات الإجرام والمخدرات دون اهتمام كبير بملاحقتهم”.
بدوره يقول الناشط في محافظة ديالى حسن جار الله إننا “ومنذ ثورة تشرين 2019 وقبلها نمارس نشاطًا مدنيًا لكشف ملفات الفساد، ونحاول قدر الإمكان تقليل نسب الفساد، لكن يبدو أن هناك حملة لتكميم الأفواه على طريقة القوي يأكل الضعيف”.
ويضيف جار الله، أن “الأحزاب بعد ثورة تشرين بدأت تفقد مكانتها في المجتمع وخسرت شعبيتها، لكنها تحاول إعادة سطوتها الآن من خلال قمع الحريات وتكميم الأفواه والأصوات المعارضة”، لافتا إلى أن “ديالى تحتوي الكثير من مشاريع الفساد سواء في القطاع الصحي أو التربوي، ومن شأن التصدي لها يعرضك إلى رسائل التهديد أو الملاحقة القانونية”.
وعن آخر قضية تحركت ضده، يؤكد أن “الدعوى تتعلق بفساد إداري في إحدى المدارس الأهلية، وعندما يصل الفساد إلى المستوى التعليمي والتربوي، فالموضوع أخطر لأنه يتعلق بأجيال”.
ولفت إلى أنه “نقل مناشدة لأحد الطلبة تتعلق بتزوير مجلدات بعدما لم يجد من يقبل شكواه، وقد لوحق قانونيًا على إثر ذلك، وبدا أن هناك إصرارا من قبل القائمين على التحقيق لعدم نقل معاناة الناس”.

السلطات الحكومية تستخدم القضاء الحالي في ملاحقة الناشطين والصحفيين في محاولة لتكميم الأفواه

وفي موازاة الحملة ضد الناشطين تبرز خطوات حكومية أخرى نحو العاملين في الصحافة والإعلام في محاولة لتكميم الأفواه ومنع الانتقادات الموجهة لحكومة السوداني التي تصف نفسها بأنها حكومة خدمة وجدت لتحقيق الإنجازات.
وفي هذا السياق يؤكد المراسل التلفزيوني مصطفى لطيف، رفع دعوى قضائية ضده من قبل وزارة الداخلية بسبب تقرير قدمه على شاشة التلفاز.
وقال لطيف، إن “وزارة الداخلية رفعت دعوى ضدي في شهر تشرين الأول من عام 2023 والآن تم تفعيل الدعوة ولا أعرف سبب ذلك”.
وبين أن الدعوى المقامة ضده بموجب المادة رقم 210 من قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960 الخاصة بـ”الافتراء”.
وتابع المراسل التلفزيوني “لا أعرف سبب إقامة الدعوى ولا أعرف على أي تقرير رفعت ضدي”.
وأشار إلى انه سيقف أمام المحكمة بناءًا على التبليغ وإذا لم يذهب إلى المحكمة سيصدر بحقه أمر إلقاء القبض.
وتابع “قمت بإبلاغ هيئة الإعلام والاتصالات ونقابة الصحفيين العراقيين بشأن الدعوة المقامة ضدي”.
وليس ببعيد عن هذا الإطار، أعلنت الإعلامية آن صلاح، إيقاف برنامجها المنوع على قناة العراقية الحكومية، وذلك بعد انتقادها لقرار رفع أسعار الوقود.
وكانت آن صلاح وهي مقدمة برامج في قناة العراقية الحكومية، أعلنت عن إيقاف برنامجها على القناة، وحجب ظهورها على الشاشة، من قبل رئيس الشبكة، ونقلها إلى الإذاعة، عازية ذلك إلى منشور بصيغة “ستوري” على منصة “انستغرام” انتقدت فيه رفع أسعار الوقود.
وبحسب مرصد “أيكونيمست انتلجنتس” البريطاني، فقد تراجع العراق أربع مراتب في مؤشر الديمقراطية لعام 2023، ويبدو أنه أدنى مستوى وصلت إليه البلاد منذ الاحتلال الأمريكي في عام 2003.
وبحسب تقرير المرصد، فإن “العام الماضي كان عامًا مشؤومًا بالنسبة للديمقراطية، حيث انخفض متوسط النتيجة العالمية إلى أدنى مستوى له منذ بدء المؤشر في عام 2006″،
وبين التقرير أن “العراق قد حلَّ في المرتبة 128 عالميًا من أصل 165 دولة بمؤشر الديمقراطية”.
ويشير التقرير إلى أن “العراق تراجع أربع مراتب عن العام السابق (2022) حيث حاز على نقاط تبلغ 2.88 نقطة ما يجعله ضمن (المنطقة الحمراء) حيث يوصف بأنه تحت (حكم استبدادي)”.
وعزز التضييق على الناشطين ووسائل الإعلام والقنوات، عبر تعرض العديد من العاملين فيها، إلى مضايقات وإجراءات حكومية إقصائية من وضع العراق في مصاف الدول ذات الأنظمة الاستبدادية.
ويرى الباحث في مركز “الرشيد” للتنمية، حسام الربيعي، أن “الموقف الحكومي هو الأبشع في تقويض الحرّيات، بل إن الممارسات الأخيرة للسلطات بشقّيها التنفيذي والتشريعي تؤشر بشكل واضح إلى عودة المنظومة الحاكمة لاستخدام أساليب تعسفية تسلطية تستند فيها إلى قوانين الأنظمة الشمولية التي يدعون مقارعتها”.
ويلفت الربيعي، إلى أن “استغلال ملف الحرّيات في العراق وحقوق الإنسان في الصراع السياسي هو السمة الأبرز لنظام ما بعد الاحتلال الأمريكي، والتهديدات وحملات الشيطنة والتشهير التي تقوم بها جهات سياسية وأخرى مسلحة، تلاحقها شبهات فساد وتجاوز على القانون، كانت وما تزال تدل على وجود توجه ممنهج لتقويض الديمقراطية في البلاد وهي تستهدف الأفراد والمؤسسات المدنية المدافعة عن الحرّيات والحقوق”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى