أخبار الرافدين
د. رافع الفلاحي

حق القول

للاختلاف شروط وإلا...

للاختلاف شروط وإلا…

برغم أن البعض يعتبر تباين الآراء والأفكار بين المجتمعات والدول والأشخاص، حالة خطرة تولد الخلافات وتنشئ الأحقاد وتدفع للصراعات .. إلا أن السلوك السوي والمنطق الصحيح والرؤية الشاملة والفكر المتطلع إلى إيجاد أفضل المنافذ والحلول، تؤكد أنها حالة صحية ..بل حالة مطلوبة وإن لم تكن موجودة فعلى الأشخاص والدول والمجتمعات بكل تصنيفاتها (سياسية أو اقتصادية أو علمية أو غيرها) أن تسعى لإيجادها، لكن ذلك كله يجب أن يخضع لشروط صارمة وخطوط واضحة لا تتجاوز الثابت

والحقائق اعتمادًا على الأقاويل والشائعات والأغراض المبيتة عند هذا الطرف أو ذاك، ومحاولة ترسيخ الأوهام على أنها حقائق لتسويغ أفعال جرت وتجري أو لتبييض صفحات هذا الطرف أو ذاك خلافًا لواقع الحال، وبما يحمِّل أطرافًا معينة (زورًا) مسؤولية الإخفاقات والكوارث التي حصلت وتداعياتها  من خلال خلط الأوراق والاعتقاد بأن الذاكرة الجمعية مثقوبة وأن لا أحد سيقول ما حصل، خاصة إذا  ما تم اجترار أكاذيب سبق أن صنعت وتم تسويقها لأهداف معلومة، وما زال البعض يستحضرها من دون أن يقدم الوثائق والأسانيد على حصولها، لكي يسوغ فيها الخيبة ويحاول(بوعي أو بدونه) تجميل الوجه القبيح وتبرير المضي في طريق الخراب وتعميق الكارثة.
أقول ذلك وأنا أقرأ تصريحات هنا وهناك لأشخاص يحاولون للأسف الشديد  (لَيَّ عنقَ الحقيقة) من خلال التشدق بادعاءات لا مصدر لها يمكن الوثوق به ومن ثم يبررون أقوالهم بالاتكاء على( الشائع من القول) دون أن يفكروا مليًا بأن (هذا الشائع ) ينطوي على أهداف لأطراف معينة تريد أن تنفي عن نفسها أولًا أي مسؤولية لما حصل ويحصل وأنه ينطوي أيضًا على مروجين بعقول كسيحة أو مؤدلجة، فضلًا عن أن (هذا الشائع) سبق أن تم  تسويقه وتم الرد عليه وظهر (بما لا يقبل الشك ) أنه مجرد أكاذيب ولا أدلة (مكتوبة أو مسموعة) عليه. فكيف لعاقل أن يأخذ بها ويعود لتسويقها بخاصة أن هؤلاء الأشخاص سبق أن اطلعوا على جوانب واسعة من الحقائق المتعلقة بما (يسوقونه زورًا) ومن ذلك ما هو مكتوب ومسند بالوثائق والأسانيد .. فضلًا عن أنهم يرون بأعينهم وترصد عقولهم واقع الحال وأسبابه والأطراف الصانعة والمساهمة به.
ولعل إعادة تسويق البعض للحديث عن أن هيئة علماء المسلمين في العراق قد حرَّمت في بداية الاحتلال الأمريكي للعراق، العمل السياسي على العرب السُنَّة أو انخراطهم في الأجهزة الأمنية والعسكرية التي تأسست بعد الاحتلال، فتح الأبواب واسعة للأحزاب الطائفية الإيرانية لتتحكم بالعملية السياسية. وهذه كذبة كبيرة طالما جرى تسويقها بنحو معيب و(مقرف) لأن الهيئة التي اضطرت إلى العمل السياسي، كانت وما زالت واضحة الخطوات والخطوط والاتجاه، وثابتة (وقافلة مثلما يقال باللهجة العراقية الدارجة)على أهدافها، وقد أكدت منذ تأسيسها على أن الاحتلال لا يمكن أن يكون تحريرًا وأنه لا يمكن أن يكون أداة للبناء وأن المحتلين لا يمكن أن يكونوا أصدقاء وأمناء على الوطن والشعب، وأن من يأتي معهم ويؤيد مشروعهم وينخرط في ترتيباتهم، إنما هو جزء منهم، مهما كانت التبريرات التي يقدمها، فالأبيض واضح والأسود واضح وإيجاد منطقة رمادية بينهما وادعاء أنها مطلوبة وسليمة وحكيمة، إنما هو ضرب من ضروب التزوير والخداع ومحاولة القفز على الحقائق وتبيض( الوجوه المسودة)  بأفعال لا  دينية ولا أخلاقية ولا إنسانية ولا وطنية.
إن الثابت المعلن عن هيئة علماء المسلمين أن الاحتلال مرفوض ومذموم ويجب مقاومته وأن  ترتيباته (بكل مستوياتها)  وفي مقدمتها العملية السياسية المبنية على المحصصات الطائفية والقومية، هي جزء من الكارثة وأن الدخول فيها يشبه الغوص في مستنقع آسن بكل ما هو مذموم، لكن الهيئة ومن منطلق وعيها الكامل اعتبرت أن تعرية الاحتلال والكشف عن أهدافه وجرائمه وأكاذيبه، يشكل إطارًا كافيًا لكل الناس في رؤية الحقيقة والتقرير فيما يريدون ويسلكون، وبالتالي فهي لم تمنع أحدًا من أي فعل يريده وأي اتجاه يريد سلوكه، مادامت قد قدمت أمام الجميع صورة مواقفها ورؤيتها، وأن واقع الحال قد قدم لهم (أيضًا) صورة الكارثة التي حلت بالعراق والأطراف الفاعلة والمساهمة فيها .. فهل تحتاج هيئة علماء المسلمين بعد ذلك أن تحرم ما يقولون إنها حرمته؟.. وهل أنها بذلك قد أفسحت المجال مثلما يدعي البعض لكتابة الدستور بما يلائم الأحزاب والقوى الطائفية والفاسدة، في الوقت الذي يعرف فيه الجميع أن من كتب الدستور هو (نوح فيلدمان) الكاتب الأمريكي وأستاذ القانون في جامعة هارفرد، وهو من أصل يهودي وقد كلف من قبل الإدارة الأمريكية (في حينها)لكتابة ذلك الدستور ولم تجرِ إلا عملية ترجمته عن الإنجليزية وإضافة بعض الفقرات من قبل (الأحزاب الكردية والأحزاب الشيعية) بما يخدم أهدافهم وأهداف القوى التي تقف خلفهم وأهمها (إيران) التي أخرجت الأحزاب الشيعية من رحمها ورعتها وما زالت تتخذ منها سلاحًا للتغول في العراق والسيطرة عليه وإضعافه، وبالتالي  فقد وجدت هذه الأطراف في الدستور ما يتلاءم مع أهدافها والتي تخدم بالتأكيد أهداف المحتلَين الأمريكي والإيراني (المتخادمين) في إضعاف العراق وسلبه مصادر قوته، ولذلك كان الأساس في بناء ذلك الدستور على المكونات وليس على المواطنة، الأمر الذي يحقق إمكانية التشتيت والفرقة المطلوبة ،، والحزب الإسلامي (الذي ادعى تمثيل السُنَّة في العملية السياسية)  وافق على تسويق الدستور وهو يعرف كل مثالبه، وكان يؤكد حتى قبل ساعات من التصويت عليه بأنه لن يشترك بتلك العملية، لكنه ما لبث أن وافق وبرر ذلك  بوعود وحكايات كان من الواضح أنها لم تكن لتصمد وأنها غير قابلة للتحقق..فكيف (مرة أخرى) يتم تحميل هيئة علماء المسلمين في العراق بما حذرت منه وبما لم يكن لها يد فيه؟ ..ثم ألا يرسم ذلك كله صورة من يريد أن يرمي التهم على هيئة علماء المسلمين ويحمِّلها مسؤولية  كارثة طالما وقفت ضدها ومع الشعب الذي قاومها؟
الاختلاف في الرؤية والتفكير إذا ما التزم بالضوابط العلمية والأخلاقية و(بالصدق) أولًا، فهو أحد أسس البناء المطلوبة .. لكن إن كان خلاف ذلك فهو مدعاة وتسويق للباطل ودعوة لاستمرار الكارثة وتجميل وجوهها.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

شاهد ايضًا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى