أخبار الرافدين
طلعت رميح

إيران: مقايضة جديدة مع الخارج لسحق الداخل

تصاعدت الاحتجاجات وأعمال العنف في إيران، وبات واضحًا أنها تسعى لتفكيك النظام الإيراني وإسقاطه وهي احتجاجات تجري في ظرف يتعرض فيه النظام لضغوط وحصار إقليمي وغربي متصاعد، بعد انحياز النظام عسكريًا لروسيا في حربها على أوكرانيا
بما أوصله إلى مأزق داخلي وخارجي.
ويبدو أنه لم يعد متاحًا للنظام لتغيير تلك المعادلة الخانقة سوى الذهاب للخارج وتقديم التنازلات وإجراء مقايضات، إذ النظم الديكتاتورية لا تقدم تنازلات لشعوبها، وإن فعلت تسقط.
سيذهب النظام الإيراني لعقد صفقة أو صفقات مع الدول الغربية ليضمن صمتها على عمليات سحق احتجاجات الداخل وعدم تقديمها الدعم لجماعات المعارضة المسلحة، التي ستجد في أعمال التظاهر والاحتجاج الجارية، وفي أعمال القمع والقتل، فرصة استراتيجية لإطلاق عمليات الكفاح المسلح ضد النظام في المناطق التي يمارس فيها أعمال القهر والقمع على أسس عرقية– قومية، وطائفية، كما هو الحال في بلوشستان والأحواز والمناطق الكردية. وهو احتمال مؤكد لدى النظام لوجود تأريخ دموي من الصراع بينه وبين جماعات عسكرية منظمة تتبنى مطالب قومية وتطرح قضايا بناء نظام فيدرالي ويصل بعضها حد المطالبة بالانفصال.
لقد تواصلت الاحتجاجات وباتت تطرق أبواب شهرها الثاني، ومع مرور الأيام تصبح أكثر تنظيمًا وتتصاعد قدرتها على اجتذاب قطاعات جديدة من الشعب الإيراني، كما حدث في الأسبوع الأخير، إذ انضم طلاب المدارس والجامعات وعمال النفط وبعض تجار البازار. وما يخيف النظام أكثر، أن الاحتجاجات وضعت أساسًا فكريًا سياسيًا وجماهيريًا للمضي في إستراتيجية إضعاف النظام أو تفكيكه.
كما بات لافتًا اتساع حجم تضامن الرأي العام في العديد من دول العالم مع الاحتجاجات، بما في ذلك مشاهير المجتمعات الغربية، وهو ما تخشاه إيران، باعتباره مؤثرًا على قرارات الدول الغربية في الموقف من إيران ونظامها. إيران تخشى تعاطف الشعوب الأخرى مع الاحتجاجات باعتباره يشكل أرضية شعبية لاستمرار العمل بإجراءات حصار النظام. كما تنظر إيران بقلق لتعثر مفاوضات البرنامج النووي، مع احتمالات زيادة تمثيل الجمهوريين أو تحقيقهم السيطرة في مجلسي النواب والشيوخ في الولايات المتحدة، ما يعني عدم قدرة جو بايدن على تمرير الاتفاق النووي مع إيران.
وفي ظل تلك التعقيدات قد لا يجد النظام أمامه من فرصة لإنهاء الاحتجاجات والخروج من المأزق المزدوج الحالي، إلا تقديم تنازلات للغرب مقابل صمت الغرب رسميًا وإعلاميًا خلال أعمال القمع في الداخل. ففي مثل هذه الظروف التي يجد النظام الديكتاتوري نفسه محاصرًا من الخارج ويواجه حراكًا لإضعافه في الداخل، يختار تقديم التنازلات للخارج لاستمرار بقائه في سدة الحكم. مثل تلك الحكومات الديكتاتورية لا تقدم تنازلات لشعوبها. هي تدرك أن كل تنازل تقدمه للشعب يقرب يوم سقوطها وتفضل، بل تسعى، لتقديم التنازلات للخارج، لتوفير بيئة مناسبة لسحق الداخل.
والنظام الإيراني صاحب خبرة طويلة في عقد الصفقات مع الخارج لتحقيق أهدافه. مسيرة النظام تعج بإنفاذ تلك الاستراتيجية، من عقد صفقة إيران كونترا لمقايضة إطلاق سراح محتجزي السفارة الأمريكية مقابل صفقات سلاح مع الإدارة الأمريكية كان مهندسها ومنفذها الموساد الصهيوني، إلى المقايضة التي جرت مع الولايات المتحدة خلال حكم جورج بوش الابن، إذ تعاونت عسكريًا مع القوات الأمريكية والبريطانية في عمليتي الغزو والاحتلال لأفغانستان والعراق مقابل إطلاق يدها وتمكين نفوذها واحتلالها في الدولتين. كما دخل النظام الإيراني في مقايضة مع الولايات المتحدة خلال حكم أوباما، إذ وقعت الاتفاق النووي وحصلت على مليارات الدولارات مقابل دورها في عمليات كسر ظهر السنة ومقاومتهم الوطنية في العراق، وسوريا واليمن وغيرها.
ومؤخرًا كانت إيران طرفًا في صفقة الغاز بين لبنان والكيان الصهيوني، بالتوافق مع فرنسا والولايات المتحدة.
لقد تخطت الاحتجاجات النقطة الحرجة، وتظهر متابعة فعالياتها، أنها لم تعد تتحرك لإصلاح النظام بل لتغييره، وأنها تتحرك وفق اعتمادها استراتيجية متكاملة تقوم على إطالة الأمد الزمني لحراكها وتقوم على الانتشار لا التركز، لخلخلة قوة النظام بشكل تدريجي دون منحه فرصة للانقضاض عليها وتصفيتها دفعة واحدة، وأنها تتفادى الصدام المفتوح مع أقوى مكونات النظام، وهي الأجهزة القمعية.
وفي مواجهة تلك الحالة لا يجد النظام بديلًا عن فرض إجراءات شاملة في مواجهة الاحتجاجات، إذ لا تجدي الإجراءات الموضعية ففي هذه المنطقة أو تلك.
إذا استمررت الاحتجاجات وتصاعدت وتائرها، أو حتى استمرت على حالها، سيجد النظام نفسه أمام ضرورة اعتماد إجراءات واسعة ذات طابع سياسي لا يستطيع إخفاءها ولا يمكن تقديمها للخارج والداخل باعتبارها مجرد إجراءات أمنية موضعية لمواجهة مجموعات متناثرة من المشاغبين. سيذهب النظام لفرض حالة الطوارئ وإنزال الجيش، أو الحرس الثوري للشوارع، أو فرض اجراءات حظر التجول في هذه المدينة أو تلك أو استخدام واسع للسلاح…
ومثل تلك الإجراءات لا يستطيع النظام إخفاءها وهي تحتاج إلى وقت وزمن لنجاحها بما يجلب ضغوطًا دولية ويهز صورة النظام في الداخل والخارج. لذا سيحتاج النظام إلى تأمين ردود فعل الخارج عبر تقديم التنازلات. والمهم هنا أن النظام يعلم بخبرته، أن الدول الغربية جاهزة للصمت على ما سيفعل إذا قدم لها ما يحقق مصالحها.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى