أخبار الرافدين
تقارير الرافدين

الحلبوسي يدير صفقة سياسية على حساب آلام أسر المغيبين قسرًا

رئيس البرلمان الحالي يهدف إلى تبرئة القتلة من عناصر الميليشيات وتغيير تسمية المغيبين قسرًا إلى المغدورين بذريعة تعويض أهاليهم لإفلات الجناة من العقاب.

بغداد – الرافدين
أجمعت أسر عشرات الآلاف من المغيبين قسرًا من قبل الميليشيات الطائفية على أن مسعى رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي لتغيير التسمية إلى “المغدورين” بذريعة تعويض أهاليهم، محاولة لإفلات الجناة من العقاب وتمييع قضية مورس فيها أشد أنواع الظلم على أبرياء.
وقالوا، إن محاولة الحلبوسي تنم عن تواطؤ مكشوف مع القتلة من الميليشيات بدوافع سياسية من دون الإحساس بآلام أسر المغيبين الذين يعانون منذ سنوات ولا يلاقون أي اهتمام من الحكومات المتعاقبة.
وتزامنت تصريحات الحلبوسي بعد أيام من انتهاء زيارة لجنة الأمم المتحدة المعنيّة بحالات الاختفاء القسري (CED) إلى مدن العراق المنكوبة، طالبت فيها باتخاذ إجراءاتٍ عاجلة لإدراج الاختفاء القسري كجريمةٍ مستقلة في التشريع الوطني، مشدّدة على أنه لا يمكن تأجيل العملية أكثر من ذلك.
وأكدت على أن المعلومات والبيانات المتوفّرة في العراق لا تسمح بقياس حجم هذه الجريمة لكنّ الوفد تلقى خلال الزيارة، التي استغرقت 12 يومًا، المئات من ادعاءات الاختفاء القسري من مختلف المحافظات.
وذكرت اللجنة في بيان بختام زيارتها “لقد حُكمَ على أسر وأقارب المختفين أن يعيشوا في حزنٍ دائم لعدم معرفة أيّ شيء عن مصيرهم ومكان وجودهم، ويتعيّن عليهم مواجهة إطار روتيني معقّد للغاية في سبع مؤسسات عند تقديم أي شكوى أو مطالبة بحقوقهم”.
وأعربت اللجنة بعد زيارة إلى بغداد والأنبار والموصل وأربيل ومقابلة أهالي المغيبين عن قلقها البالغ إزاء الادعاءات العديدة بارتكاب أعمالٍ انتقامية ضدّ أسر وأقارب وممثلي المختفين، وكذلك ضدّ الجهات الفاعلة التي تشارك في عمليات البحث والتحقيق.
وأشارت اللجنة المكونة من الرئيسة فيلا كوينتانا ونائبيها باربرا لوخبيلا ومحمد عياط، ورئيسة أمانة اللجنة ألبان بروفيت بالاسكو، إلى أنّه لا ينبغي أن يتعرّض أيّ شخص من الذين شاركوا في المحادثات أو أسهموا بمعلومات إلى اللجنة لأعمال انتقامية.
وعزا مراقبون سياسيون تصريحات الحلبوسي إلى منسوب الضغط الدولي لاسيما بعد أن كشفت أُسر المغيبين معلومات لا تقبل اللبس إثر مقابلتهم أعضاء اللجنة الدولية.

د. أيمن العاني: لا يوجد في العراق منذ عام 2003 وإلى الآن قانون يجرم الاختفاء القسري.
وقال مسؤول قسم حقوق الإنسان في هيئة علماء المسلمين في العراق الدكتور أيمن العاني إن “الزيارة الثانية للجنة الأممية المعنية بحالات الاختفاء القسري للعراق، لها دلالة أن الجهات الحكومية لم تلتزم بمخرجات وتوصيات الزيارة الأولى، على الرغم من المجاملات وتخفيف وطأة ما يجري في العراق ويعد أيضًا اعتراف صريح بعدم تحقيق أي تقدم في ملف الاختفاء القسري بالبلاد”.
وأضاف العاني في تصريح لقناة “الرافدين” أنه “لا يوجد في العراق منذ عام 2003 وإلى الآن قانون يجرم الاختفاء القسري، وقضايا حقوق الإنسان تتقاطع معها الإرادات السياسية الدولية“.
وأوضح “على الرغم من كثرة المعوقات، إلا أننا ندعم أي تحرك أو تحقيقات في ملف الاختفاء القسري، والتي لربما تشكل وجهًا من أوجه الضغط على الحكومة وتحدث تحسنًا طفيفًا ينعكس على الضحايا وأسرهم”.
وأقر الحلبوسي بتصفية آلاف المغيبين العراقيين الذين جرى اقتيادهم من قبل ميليشيات طائفية بين 2014 و2016، إبان نزوحهم من مناطقهم.
وقال في تصريحات تلفزيونية “يجب أن نصارح الناس بحقيقتهم، ونغير اسمهم أولًا إلى المغدورين وليس المغيبين. مغدورين فارقوا الحياة، ويجب على الدولة إنصاف ذويهم وشمولهم عوائلهم بقانون ضحايا الإرهاب، بالتعويض أما الاستمرار بتضليل عوائلهم منذ 2014 ولغاية الآن، فغير صحيح… غيبوا وتم اغتيالهم في تلك الفترة”.
وتوجه الاتهامات لميليشيات منضوية في الحشد، الشعبي أبرزها كتائب حزب الله، والعصائب وبدر، وسيد الشهداء، والإمام علي، والخراساني، ورساليون، والنجباء، وجماعات مسلحة أخرى، بالوقوف وراء عمليات تصفية النازحين بدوافع القتل على الهوية.
ويقدر عدد الضحايا بأكثر من 55 ألف عراقي في محافظات الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى والتأميم وحزام بغداد، وسط صمت حكومي عن هذه الجرائم وعدم فتح أي تحقيق بشأنها.
ويجمع مراقبون على أن الحلبوسي يهدف من كل ذلك إلى تحويل ملف المغيبين على قضية استثمار سياسي مع الإطار التنسيقي الذي تنضوي تحته الميليشيات المتهمة بارتكاب عمليات القتل.
ووصف شقيق أحد المغيبين دعوة الحلبوسي بـ “المتاجرة” بآلام أمهات وأبناء المغيبين لتحقيق أهداف سياسية.
وقال في تصريح لقناة “الرافدين” مفضلًا عدم ذكر اسمه “على الحلبوسي أن يشعر بالخجل لأن آلام الأمهات لا توقفها تعويضات مزعومة”.
وقال الباحث في الشأن السياسي، مجاهد الطائي، إنّ حديث الحلبوسي عن المغيبين قسرًا وتغيير تسميتهم إلى مغدورين، مرتبط بالمقابر الجماعية من جهة، وبمنع دخول مناطق منزوعة السكان من جهة أخرى.
وأشار الطائي إلى تصريحات لرئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي عن المغيبين بعبارة “انسوهم” وظهور عبارة “مغدورين”، في الحكومة الحالية، متسائلًا “هل اتضحت الآن صورة ما فعله (المحررون)! برهائن داعش داخل المدن؟”.
صفقة سياسية على حساب آلام أمهات المغيبين
وتصر حكومات الاحتلال في العراق على تمييع قضايا التغييب والاختفاء القسري على الرغم من وعودها للجهات الدولية بإجراء تحقيقات جادة وعلنية للكشف عن مصيرهم.
وكانت مراكز حقوقية قد شككت من تحقيق خطوات جادة في ملف الاختفاء القسري في العراق، في وقت تواصل فيه حكومة محمد شياع السوداني التهرب من فتح ملف المغيبين لأنها ستكون مع الميليشيات الطائفية أول المدانين بتلك الجرائم الإنسانية.
وكانت صحيفة “واشنطن بوست” قد وصفت وعود الحكومات في بغداد فيما يخص إنهاء ظاهرة الاختفاء القسري بمجرد كلام.
وذكرت الصحيفة “إن رؤساء الحكومات تعهدوا علنًا بالتحقيق في حالات المخفيين قسرًا ومعاقبة مرتكبيها، لكن لم يتحقق شيء يذكر من تلك الوعود، واستمرت حالات الإخفاء القسري لمواطنين عراقيين دون حساب”.
وتؤكد بيانات المنظمات المعنية بحقوق الإنسان أن الميليشيات في العراق لا تعمل تحت مظلة قوات الأمن الحكومية وشرعت لنفسها قانونها الخاص حتى باتت تطارد وتستهدف المعارضين وتخفيهم قسرًا.
ومن ضمن هؤلاء المغيبين من تمت تصفيتهم أو بيعت أعضائهم البشرية من قبل الميليشيات، وهناك من تمت مساومة ذويهم من أجل تسليم جثثهم، فيما تقف السلطات الحكومية مسلوبة الإرادة أمام نفوذ هذه الميليشيات، ولم تقم بأي دورٍ تجاه هذه الأعداد من المغيبين.
ووفقًا للجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن العراق يتصدر النسبة الأكبر من الأشخاص المفقودين بالعالم، بحسب اعتمادها على بيانات حكومية، حيث تقدر السلطات العراقية أن عدد الأشخاص المختفين خلال عقود من النزاع وانتهاكات حقوق الإنسان يمكن أن يتراوح بين 250 ألفًا وأكثر من مليون.
غير أن منظمات المجتمع المدني العراقية ترى أن الأرقام الحكومية أقل بكثير من الواقع، وأن حكومة بغداد لا تبالي بآلام أسر المغيبين، لأنه بمجرد فتح هذا الملف تدين نفسها كما ستكشف دور الميليشيات في عملية ممنهجة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى