أخبار الرافدين
طلعت رميح

إعادة بعث العسكرية اليابانية

انتقلت اليابان في الأيام الأخيرة، من حالة الدولة الأكثر تعبيرًا في تكوينها وسياستها الخارجية عن السلمية والبعد عن الحروب، بل حتى من حالة الدولة المحتلة أمريكيًا، إلى حالة الدولة المجاهرة بالإعداد للصراع في الإقليم والأكثر تحركًا للاستعداد للحرب الأشد خطرًا
في كل تأريخ البشرية.
لقد أقرت اليابان استراتيجية جديدة للأمن القومي، تعتبر الصين تحديًا استراتيجيا غير مسبوق لها، وروسيا مصدر قلق لأمنها القومي، واعتمدت ما وصف باستراتيجية الهجمات المضادة “الهجومية” في حال تعرضها لتهديد حتمي أو في حال تعرض دولة صديقة لها لهذا التهديد… وقررت زيادة ضخمة في إنفاقها العسكري لمدة خمس سنوات، وزيادة في إنفاقها العسكري السنوي، وتطوير وتعزيز مدى صواريخها وطائراتها بما يعني استعداد اليابان للدخول في معترك الصراع العسكري.
وهو تطور في قدرة اليابان العسكرية، يعيد رسم التوازنات وخطوط الحرب في آسيا، إذ جرى إطلاق تصريحات سياسية، تؤكد على أن كل هذا التطوير العسكري يأتي في مواجهة تنامي قوة الصين وزيادة تهديداتها لتايوان، وفي مواجهة قيام كوريا الشمالية باختبارات صاروخية، بمعدل ينذر بالخطر، واحتمالات قيامها بتجارب نووية جديدة.
كما صدرت إشارات يابانية واضحة، بأن الحرب الروسية على أوكرانيا، أدت إلى تدمير أي أمل في حل قريب للنزاع بين اليابان وروسيا حول جزر الكورييل.
لقد كانت أوروبا ساحة صراع الحرب العالمية الأولى، وامتدت الحرب الثانية إلى آسيا بفعل الدور العسكري الياباني، إذ احتل الجيش الياباني كوريا وأجزاءً من الصين والفلبين وغيرها، وانتهى الأمر بقصف الولايات المتحدة اليابان بالقنابل النووية وإعلان استسلامها، وفرض شروط على إعادة بناء جيشها مجددًا.
لكن الصراع الدولي الجاري الآن والحرب العالمية المحتملة تتخذ من آسيا مسرحًا لها، ليس فقط لانتقال توازنات القوة والثروة من الغرب إلى الشرق، ولكن تحديدًا، بسبب تنامي قوة الصين التي أصبحت وفق تقدير وثيقة الأمن القومي الأمريكي، الدولة الوحيدة القادرة على إعادة تشكيل النظام الدولي. وها هي اليابان تدخل ساحة الاستعداد لاحتمالات الحرب إلى جانب الولايات المتحدة، إذ جاءت إستراتيجية الأمن القومي الياباني الجديدة متقاطعة مع إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي بشأن الصين وروسيا. ولذلك كان طبيعيًا إعلان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن عن دعم بلاده قرار اليابان باكتساب قدرات جديده، تعزز الردع الإقليمي، بما في ذلك قدرات الضربات المضادة. وأن يرحب الوزير الأمريكي بالعمل مع اليابان لدعم الأهداف المنصوص عليها في إستراتيجيات البلدين ووفقًا لكل ذلك، فقد بات مؤكدًا أن اليابان ستكون محور الصدام والصراع الدولي القادم، باتجاه الصين وروسيا.
فاليابان تتنازع مع الصين على بعض الجزر، بل هي لا تزال تعتبر تايوان، التي كانت قد احتلتها خلال الحرب على الصين، تابعة لها، وهي تتحدث عن أن اتفاق وشروط استسلامها مع الولايات المتحدة لم ينص على الانسحاب من تايوان واليابان لا تزال في وضع صراعي مع روسيا التي احتلت جزر الكورييل اليابانية، ولا تزال تحتلها حتى الآن، إذ لم تحقق المفاوضات بشأنها أي تقدم على مدار أكثر من 70 عامًا.
وقد شهدت الأيام الأخيرة دفعة خطيرة باتجاه الحرب المحتملة والأخطر أننا أمام يابان تعود لبعث طموحاتها وللتعامل مع ثاراتها التأريخية القديمة.
لقد أنهت اليابان “عمليًا وفعليًا” القيود التي فرضت على تطوير جيشها وفق شروط الاستسلام التي فرضت عليها. وخطت في نفس المسار الذي ذهبت فيه ألمانيا من تخصيص أموال طائلة لإعادة بناء جيشها، وتخصيص ميزانية سنوية أكبر مما كان سابقًا، ما مثل نقلة في التوازنات العسكرية على الصعيد العالمي.
لقد أعلنت الحكومة اليابانية زيادة إنفاقها العسكري بنحو 279 مليار دولار على مدار السنوات الخمس القادمة، وعن تخصيص 2 بالمائة من دخلها القومي الإجمالي “وهي دولة تحتل المرتبة الثالثة في ترتيب اقتصادات العالم” لميزانية جيشها. وهي ميزانية قد تزيد على الميزانية العسكرية للدولة الكبرى الثانية في العالم على الصعيد العسكري “روسيا” وهي أعلى بالتأكيد من ميزانية الدفاع الفرنسية. وهي زيادة بنسبة 57 بالمائة مقارنة بميزانية الدفاع في السنوات الخمس الأخيرة.
وبذلك خرجت اليابان عن نصوص دستورها، الذي ينص على “أن الشعب الياباني يتنازل عن الحرب للأبد “وعن اعتبار جيشها مجرد قوات للدفاع الذاتي مخصصة لمواجهة الكوارث، وتحولت إلى بناء ما يوصف بالجيش العصري، والإعلان عن استعداد قواتها للتدخل في الخارج، وفي تبني خطة لبناء “القدرة الدفاعية الصاروخية الشاملة” للقضاء على التهديدات المحمولة جوًا مثل الطائرات والصواريخ، والقدرات الدفاعية غير المأهولة، مثل الطائرات العسكرية بدون طيار، والأهم أن اعتمدت مبدأ شن “هجمات مضادة” باستخدام أسلحة يمكنها استهداف مواقع إطلاق الصواريخ التابعة للعدو في مهاجمة أراضي الدول الأخرى.
لقد عادت اليابان بصفتها قوة دولية، إذ لم يكن ينقصها سوى البعد العسكري حيث أصبحت ثالث اقتصاد على الصعيد الدولي، وهي من ضمن الدول السبع الصناعية والآن تتحول إلى قوة عسكرية عالمية، وهو ما سيكون له تأثير حاسم على العلاقات والصراع في شرق آسيا، وعلى دور الولايات المتحدة في المنطقة وعلى العلاقات اليابانية مع كل من الصين وروسيا والكوريتين الشمالية والجنوبية.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى