أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

حكومة الإطار التنسيقي ترهن ما تبقى من حقول العراق النفطية للشركات الأجنبية

نخب وكفاءات تنتقد توجه حكومة السوداني لعقد جولات تراخيص جديدة على خطى حكومات الاحتلال السابقة في تبديد ثروات العراقيين ومنح الأفضلية للشركات الأجنبية على نظيرتها الوطنية.

بغداد – الرافدين
تساءل خبراء اقتصاديون ونفطيون عن الجدوى الاقتصادية المتحققة للعراق من جولات التراخيص الجديدة التي أعلنت حكومة الإطار التنسيقي برئاسة محمد شياع السوداني عنها ومدى استفادة العراقيين من هذه العقود القاتلة للخبرات الوطنية والمسؤولة عن رهن اقتصاد البلاد للخارج وتكبيد خزينة الدولة خسائر باهظة في وقت تعاني فيه البلاد من أزمات اقتصادية ونسبة عجز كبيرة في مشروع ميزانيتها العامة.
وأجمعت نخب وكفاءات نفطية عراقية على استهجان قرار الحكومة في المضي قدمًا في تمرير صفقات نفطية مشبوهة تبدد الثروات النفطية دون فتح ملفات الفساد التي رافقت صفقات الجولات السابقة وحجم الضرر الذي لحق بالاقتصاد العراقي منها.
وقدمت حكومة الإطار، دعوة إلى الشركات النفطية العالمية، للمشاركة في جولة التراخيص الجديدة، تحت شعار “تطوير الحقول النفطية والغازية”.
وقال المتحدث باسم وزارة النفط الحالية، عاصم جهاد، الأربعاء، إن “وزارته، دعت الشركات العالمية المتخصصة بتطوير الحقول والمواقع النفطية والغازية للمشاركة بعملية التنافس في الجولة الجديدة المكملة والملحقة بجولة التراخيص الخامسة والتي تضم 14 حقلًا وموقعًا نفطيًا وغازيًا”.
وأضاف “تواصلًا مع ما تم الإعلان عنه من قبل الوزارة في عام 2018 فيما يخص جولة التراخيص الخامسة، وما أعقبها في شباط الماضي من إبرام العقود مع الشركات الفائزة بجولة التراخيص الخامسة لتطوير عدد من الحقول والمواقع الاستكشافية الحدودية في عدد من المحافظات، وبهدف تعزيز أهداف الوزارة في تشجيع الاستثمار بالقطاع النفطي بالتعاون مع الشركات العالمية الرصينة، جرى طرح الحقول الجديدة”.
وجاء إعلان المتحدث باسم الوزارة بعد شهر واحد على إعلان مماثل لوزير النفط حيان عبد الغني الذي أكد توجه وزارته لإعلان جولة التراخيص السادسة التي ستشمل ثلاث محافظات وستروج خلال شهرين.
وأكد الوزير وقتها، أن “وزارة النفط تخطط لإطلاق جولة تراخيص سادسة تتضمن الحقول النفطية والرقع الاستكشافية في المنطقة الغربية نزولا إلى محافظتي القادسية والمثنى”.
وأضاف “هذه الجولة من التراخيص ستوفر كميات كبيرة من الغاز وتقليص أو إيقاف عملية استيراد الغاز من الدول المجاورة إلى جانب تطوير المشاريع النفطية في المحافظات المستهدفة”.
وأثار الإعلان عن ملحق الجولة الخامسة والجولة السادسة لجولات التراخيص النفطية جملة تساؤلات عن طبيعة العقود وبنودها وما ستتضمنه من تفاصيل في ظل التصريحات الحكومية المتضاربة حولها.

نبيل المرسومي: التكاليف النفطية مرتفعة جدًا بسبب تحكم الشركات الأجنبية بها، ما يعني حصولها على أكثر من نصف عائدات النفط العراقي.

ويشير أستاذ الاقتصاد بجامعة المعقل في البصرة نبيل المرسومي إلى أن العراق كان قد وقّع على هذه الجولة بشكل مبدئي عام 2018 في عهد حكومة رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، ثم عاد ليوقع العقود النهائية بعد تأخر دام 5 سنوات.
وأوضح المرسومي أن هناك خلافًا بين وزارة النفط التي تصف هذه العقود بأنها “عقود مشاركة” في الأرباح، في حين يصفها المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء بأنها عقود خدمة.
وتابع المختص بالشأن النفطي أن “الفرق بين العقدين كبير جدًا في العناصر الأساسية والالتزامات التعاقدية، وبالتالي ولأجل حلّ هذه الإشكالية وتحقيقًا للشفافية وانسجاما مع عضوية العراق في مبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجية، واتساقا مع المادة 111 من الدستور العراقي التي تنص على ملكية الشعب للثروة النفطية، فإنه من الضرورة بمكان نشر النصوص الأصلية لهذه العقود على الشعب العراقي”.
ويشير المرسومي إلى أن التكاليف النفطية مرتفعة جدًا، بسبب تحكم الشركات الأجنبية بها، ما يعني حصولها على أكثر من نصف عائدات النفط.
ويستدل الخبير النفطي على تقديراته من خلال مقارنة عقود الجولة الخامسة مع عقود كردستان العراق النفطية، إذ يشير إلى حصول حكومة كردستان على 44 بالمائة فقط من إجمالي العائدات النفطية عام 2022 على الرغم من مضي نحو 8 سنوات على بدء الإنتاج.
ويرى أن الشركات الأجنبية تحرص على إبقاء التكاليف مرتفعة لأجل تعظيم أرباحها وبالتالي، من المتوقع أن تستحوذ الشركات الأجنبية على نحو نصف العائدات النفطية العراقية فضلًا عن أن حصة الشريك الحكومي في أغلب عقود كردستان العراق تبلغ 20 بالمائة، في حين لا توجد حصة للشريك الحكومي في الجولة الخامسة، في الوقت الذي أكد فيه المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء أن ملكية الحقول ستظل للعراق بنسبة 100 بالمائة.
وقال “إن أغلب الشركات التي تم التعاقد معها في كردستان هي شركات صغيرة وغير معروفة عالميًا، وهو ما ينطبق على تراخيص الجولة الخامسة التي أحيلت فيها الحقول الستة إلى شركتي الهلال الإماراتية وجيو جياد الصينية.
ومن أبرز شبهات الفساد التي تشوب جولات التراخيص المبرمة من قبل حكومات الاحتلال، بين 2009 و2018، هو عدم نشر العقود التي أبرمتها هذه الحكومات، ممثلة في وزارة النفط، مع الشركات المستفيدة فضلًا عن عدم تطوير الشركات الوطنية والفساد في مبالغ المنافع الاجتماعية.
والمنافع الاجتماعية هي المساهمات التي تقدمها شركات النفط العالمية العاملة في الصناعات الاستخراجية إلى سكان المناطق المحيطة بحقول النفط التي تتأثر سلبًا بأنشطة الاستخراج وتهدف هذه المساهمات إلى تحسين مستوى المعيشة والرفاهية الاقتصادية والاجتماعية للمناطق المتأثرة.
ووفقًا للجنة الطاقة التابعة لمجلس الوزراء بالقرار رقم 139، فإن شركات النفط العالمية العاملة في الحقول العراقية ملزمة بدفع مبلغ سنوي يصل إلى خمسة ملايين دولار عن كل عقد خدمة، كمنفعة اجتماعية للمناطق المحيطة بالحقول والرقع الاستكشافية التي تعمل فيها.
إلا أن تقرير مبادرة الشفافية للصناعات الاستخراجية في العراق لعام 2017 بيّن أن بعض الشركات لم تدفع أية مبالغ خلال ذلك العام، على الرغم من استمرار عملياتها في الحقول التي تعمل بها.
وأعاد الإعلان الجديد عن جولات التراخيص النفطية الحديث عن الفساد الذي شاب المراحل الأولى لتلك الجولات والتي أبرمت في عهد وزير النفط الأسبق خلال عهد حكومة نوري المالكي، حسين الشهرستاني، والتي أثبتت التحقيقات فسادها وتبديدها للحقوق العراقية.

عصام الجلبي: العراق منع من إعادة تشكيل شركة النفط الوطنية، وذهب باتجاه إدخال الشركات الأجنبية للاستثمار في النفط، التي لم تساهم حتى اليوم في رفع إنتاج النفط

وأكد وزير النفط العراقي الأسبق عصام الجلبي أنه “منذ جولات التراخيص التي حصلت بفضلها الشركات الأجنبية على امتيازات استخراج وتسويق النفط، حصلت هذه الشركات على مدفوعات إضافية بلغت 114 مليار دولار دون حساب أرباحها الأخرى”.
وأضاف “العراق تمكن على مدى عقود قبل الاحتلال من بناء الدولة بمختلف مرافقها بعائدات أقل خمس مراتٍ عن عوائد ضخمة لا أحد يعلم كيف أهدرت وأين ذهبت ولماذا يعاني البلد خلال عشرين سنة من اختناقات ونقص وخراب على كل المستويات”.
وعبّر الجلبي عن أسفه لواقع الحكومات المتعاقبة في العراق ما بعد الاحتلال، المسؤولة عن تصفية الطاقم الوطني لشركات النفط العراقية بطريقة أو بأخرى بعد أن عرف بقدراته الفذه في إدارة الثروة النفطية فضلا عن المصير المأساوي لمعامل تصفية النفط، وكيف فككت ونهبت او أهملت ليضطر العراق إلى استيراد مشتقات كان يعد من الدولة الرائدة في المنطقة بإنتاجها وتسويقها.
وبين الوزير الذي يعد أحد أبرز خبراء النفط الدوليين خلال مقابلة تلفزيونية أن “العراق منع من إعادة تشكيل شركة النفط الوطنية، وذهب باتجاه إدخال الشركات الأجنبية للاستثمار في النفط، التي لم تساهم حتى اليوم في رفع إنتاج النفط، رغم حديثهم عن ذلك”.
وتحدث الوزير الأسبق بالأرقام، لافتًا إلى أن “العراق كان يصدر في عام 1979 عندما كان يعتمد على شركة النفط الوطنية أكثر من 3.2 مليون برميل يوميًا، وفي عام 2023 صدّر العراق خلال شهر شباط الماضي 3.5 مليون برميل نفط يوميًا، بالتالي لا يوجد فرق بين الرقمين”.
وأكد كذلك أنه “على الرغم من الحرب مع إيران، فإن العراق أنتج في تموز 1990، نحو 3.3 مليون برميل يوميًا وبذلك تكون الأرقام مقاربة على الرغم من مرور 20 عامًا على منح النفط العراقي للشركات الأجنبية”.
وكشف الجلبي عن تشكيل الولايات المتحدة “لجانًا مختصة قبل احتلال البلد للعمل على وضع سياسة نفطية للعراق لما بعد مرحلة الاحتلال في 2003”.
ويتفق الخبير الاقتصادي العراقي عبد الرحمن المشهداني مع ما ذهب إليه وزير النفط الأسبق عصام الجلبي بالقول إن السياسة النفطية الأمريكية التي رسمتها للعراق، أوصلت البلاد إلى الواقع الحالي، الذي يعرقل ويمنع إعادة تأميم النفط، وعودة الشركات الوطنية حصرًا للإنتاج النفطي.
ويضيف المشهداني “كلنا معترضون على جولات التراخيص، ونعتقد أن التخصيصات المالية التي تدفع للشركات الأجنبية يمكن الاستفادة منها، فلو ذهبت إلى الجهد الوطني، لكنا قادرين على زيادة الإنتاج النفطي”.
ويؤكد أنه “من الصعوبة بمكان إعادة تأميم النفط والاعتماد على الشركات الوطنية، لأن ما جرى في السبعينيات عندما أمم العراق نفطه، كان قد دخل في مفاوضات مع شركات النفط التي كان متبقيًا لها نحو 20 عامًا حتى تنتهي عقودها، إذ تصل مدتها في تلك المرحلة من 70 إلى 100 عام، ثم جرى تعويضها في عام 1977”.
وحول الشروط الجزائية، أوضح أنها ستكون أصعب، فإذا لجأت الشركات إلى التحكيم الدولي فسيتكبّد العراق خسائر كبيرة، فضلًا عن أن البلد لم يربح سابقًا أي قضية من هذا القبيل، بالتالي سيتم أخذ أضعاف مضاعفة عن المبالغ التي تحصل عليها الشركات الأجنبية حاليًا.

جولات التراخيص تتحول إلى فضيحة فساد كبرى للحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال ووزراء النفط فيها

وارتبطت فضيحة عقود جولات التراخيص بنائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة في حكومة المالكي حسين الشهرستاني الذي تولى كذلك حقيبة وزارة النفط حينما روّج لها بالتنسيق مع كبار زعماء الأحزاب السياسية لإحلال الشركات الأجنبية محل الخبرات الوطنية التي سبق أن أدارت صناعة النفط بكفاءة عالية.
وتحول الشهرستاني إلى عنوان بارز في الصحف الأجنبية والمراكز المختصة حينما نشر عنه موقع فيرفاكس ميديا الأسترالي وصحيفة هافينغتون بوست الأمريكية تحت عنوان “هكذا اشترى الغرب العراق” في إشارة إلى أكبر فضيحة رشوة في العالم تورط فيها الشهرستاني ووزير النفط الأسبق كريم لعيبي ومسؤولون عراقيون آخرون بتسهيل بيع حصص من النفط لدول غربية بمليارات الدولارات عن طريق شركة “أونا أويل” المملوكة لرجل أعمال إيراني يدعى عطا إحساني.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى