أخبار الرافدين
طلعت رميح

ليس أمام غزة سوى تحقيق النصر

تظهر متابعة تطورات المعركة الجارية في غزة، أننا أمام معركة مختلفة عن كل المعارك التي جرت بين المقاومة والكيان الصهيوني، وأن ما سينتج عن المعركة الجارية سيكون مختلفًا كليًا عن معركتي 2014 و2023.
كما تظهر المتابعة أن المقاومة في غزة صارت أمام خيار مفصلي، وليس أمامها إلا الانتصار. وهو أمر ممكن رغم ميل توازنات القوى العسكرية والسياسية لمصلحة الكيان الصهيوني والغرب، إذ إن تحقيق انتصارها لا يتطلب سوى إجبار عدوها على وقف إطلاق النار وبدء دوران عجلة إطلاق الأسرى، بما يعنى تراجعه عن أهدافه وفشله في تحقيقها.
وأهم اختلاف جوهري بين الحرب الحالية والحروب السابقة، هو أن الجانب الصهيوني- الأمريكي، بات يطرح معادلة صفرية لنتائج الحرب، سواء بما أعلنه عن إنهاء وجود حماس أو ترحيل مقاتليها -على غرار ما حدث في ترحيل قوات فتح من بيروت- أو بالحديث عن إنهاء سيطرتها وإدارتها لغزة وتسليم الحكم لسلطة رام الله أو بما بتردد عن خطة بنزول قوات إقليمية أو دولية لإدارة غزة بعد الحرب، أو بما كان يجري الحديث عنه في بداية الحرب عن الإعداد لتهجير سكان غزة باتجاه سيناء المصرية. بل أن ما تقوله الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة عن العودة لحل الدولتين، هو نفسه خطة التفافية لتحقيق نفس الأهداف، بالعودة إلى ذات اللعبة التي مارستها الولايات المتحدة خلال العدوان على العراق، إذ اشترت مساندة الحكام العرب للغزو والاحتلال –عبر منحهم ورقه لتبييض وجوههم أمام شعوبهم– بالحديث عن خطط لحل القضية الفلسطينية فور الانتهاء من غزو العراق.
وهي أهداف إستراتيجية ترجمت في اندفاع القوات الصهيونية إلى الغزو البري، الذي كانت قد أحجمت عنه في الحروب السابقة، وفي شن أشد حروب الإبادة إجرامًا عبر التاريخ المعاصر إلى درجة حولت غزة إلى منطقة قتل جماعي.
وهنا كان الأهم أن جرى تحديد تلك الأهداف وفق تحالف صهيوني أمريكي غربي على المستويات العسكرية والسياسية والإعلامية، إلى درجة المشاركة العسكرية الفعلية في العمليات العسكرية من الجو وعلى الأرض من قبل الولايات المتحدة خاصة.
وفي المقابل، فقد بدا جليًا أن المقاومة في وضع إستراتيجي مختلف عن كل الحروب السابقة، وهي أظهرت قدره على إدارة خطة دفاعية وهجومية عالية المستوى عسكريًا وسياسيًا وإعلاميًا، تمامًا كما كان الحال عليه في السابع من تشرين الأول حين أطلقت معركة طوفان الأقصى وأوقعت هزيمة للكيان الصهيوني بكل مكوناته العسكرية والأمنية. كما أن الشعوب والحركات الشعبية صارت على درجة من الوعي بما يجعلها غير قابله للخديعة، بما يزيد من قدرتها على التأثير على القرارات السياسية للدول.
وفي ذلك يمكن القول بأن المجريات العسكرية والسياسية للحرب وبالدقة ما تقوم به المقاومة من جهة والشعوب الداعمة للقضية الفلسطينية من جهة أخرى، وكذا التوازنات الشاملة للصراع، لا تشير إلى سهولة تحقيق تلك الأهداف وربما استحالتها.
فإذا كان الكيان الصهيوني وتحالفه الغربي، قد بدأ الغزو البري وارتكب المجازر، فقد ظهر تأثير المقاومة وقدرتها ونتائج عملياتها، جليًا في بكاء أعضاء الكنيست وفي اعترافات الجيش الصهيوني بأعداد قتلاه وفي الأفلام التي بثتها المقاومة لتوثيق ضرباتها القاتلة، وكلها عناوين لمدى قوة المقاومة وقدرتها على إلحاق الهزيمة بالكيان ومنع تحقيق أهدافه. كما ظهر مدى تأثير الموقف الشعبي جليًا في تراجع الولايات المتحدة عن فكرة ترحيل الشعب الفلسطيني في غزة وطرح أفكار أخرى حتى لو كانت التفافية.
وفي تقدير الموقف، فيمكن القول بأن موازين القوى تميل لصالح الكيان الصهيوني بفعل الاحتشاد الغربي عسكريًا وسياسيًا إلى جانبه وسيطرة الغرب على النظام الدولي، ويزيد من ذلك، ضعف الموقف الرسمي العربي والإسلامي الداعم للقضية الفلسطينية وبشكل خاص للمقاومة.
إلا أن النظرة الشاملة لا تشير لحسم المعركة لصالح الكيان الصهيوني والغرب.
وذلك لأمور عديدة منها أن المجتمع الصهيوني في وضع تفكك خطير، على صعيد النخب الحاكمة وعلى صعيد الموقف من الحرب، في مقابل توحد وقوة احتمال الشعب الفلسطيني. وإذا كان الموقف من المقاومة قد بات محسومًا على نحو عميق في داخل المجتمع الفلسطيني، فالأمر ليس كذلك على الصعيد الصهيوني فيما يتعلق بالحرب على غزة، بسبب قضية الأسرى وقضية وجود نتنياهو في السلطة وغيرها.
والجيش الصهيوني الذي ارتكب المجازر ضد المدنيين، لم يظهر قدره على مواجهة المقاومة، كما المؤكد أنه لا يستطيع الاستمرار في خوض حرب طويلة، في مواجهة المقاومة بسبب نزيف الخسائر البشرية، كما أن للمقاومة احتياطيًا يتمثل في تحول الأوضاع في الضفة الغربية إلى انتفاضة كبرى ومعارك عسكرية، تزيد من احتمالات تحرك الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 48، فضلا عما هو متوقع من تصاعد وتيرة الهجمات من قبل المقاومة الفلسطينية في لبنان وغيرها من القوى اللبنانية.
كما أن الاحتشاد الغربي الحالي، لا يستطيع الاستمرار على تلك الحالة طويلا. فهناك قضايا دولية أخرى تضعف قدرته على الاستمرار في هذا الاحتشاد.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى