أخبار الرافدين
تقارير الرافدينحكومات الفساد في العراق

ذكرى مجزرة السنك والخلاني تنكئ جرح ثوار تشرين

حكومة السوداني تتنصل عن وعودها في تقديم نتائج التحقيقات بمجزرة السنك والخلاني والمجازر الأخرى ضد ثوار تشرين بعد تعهدها بحسم هذا الملف قبل نهاية هذا العام.

بغداد – الرافدين

استذكر متظاهرون وناشطون على مواقع التواصل الذكرى الرابعة لـ”مجزرة السنك والخلاني” التي دارت أحداثها المروعة إبان ثورة تشرين وسط تساؤلات عن مصير اللجان الحكومية التي شكلت في ظل سياسة الإفلات من العقاب التي ضمن بموجبها الجناة صك الغفران الحكومي.
وأحيت الذكرى تفاصيل الهجوم المروعة في ذاكرة ثوار تشرين المشبعة بالقمع والتنكيل حينما هاجم مسلحون ينتمون لميليشيا الحشد الشعبي “مرآب السنك” وساحة الخلاني القريبة منه ما تسبب باستشهاد وإصابة العشرات من متظاهري تشرين ممن كانوا يعتصمون داخل المرآب المطل على جسر السنك المؤدي للمنطقة الخضراء.
ووقعت المجزرة التي تعد ميليشيا “حزب الله” المنضوية في الحشد الشعبي، المتهم الأول فيها عند الساعة التاسعة والنصف ليل السادس من كانون الأول 2019، إذ ظهرت حافلتان وسيارات عدة من نوع “نيسان”، تقل عشرات المسلحين، ومن دون سابق إنذار، قبل أن يباشر هؤلاء المسلحين بالزي المدني بتفريق المتظاهرين بالرصاص الحي.
وتزامن الهجوم مع انسحاب القوات الحكومية من الجيش والشرطة من المكان بشكل مفاجئ، قبل أن تعود لمكان الهجوم بعد مرور ساعتين، في دليل يثبت تورط حكومة عادل عبد المهدي، بالمجزرة كما يؤكد ناشطون.
وحدثت المجزرة، بعد يومٍ واحد من تدفق المئات من أنصار الميليشيات إلى ساحة التحرير، مركز التظاهرات في بغداد، رافعين شعارات طائفية وأخرى سياسية تهاجم من تصفهم بالمندسين وعملاء “إسرائيل”، وأبناء السفارات في إشارة للمتظاهرين.
وأصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، بيانًا عقب الحادثة، اتهمت فيه الحكومة، وقالت إن “قوات مسلحة غير محددة، بالتعاون على ما يبدو مع قوات الأمن الوطنية والمحلية العراقية، نفّذت سلسلة من عمليات القتل الوحشية في منطقة الاحتجاج الرئيسة ببغداد في السادس من كانون الأول 2019″، وهو ما أسفر عن مقتل “ما بين 29 و80 شخصًا”، وأصابة 137 آخرين.
وأوضح البيان أن “الكهرباء قُطعت عن المنطقة خلال الهجوم، ما جعل من الصعب على المتظاهرين تحديد هوية القَتَلة والفرار إلى بر الأمان”، وأن “الشرطة والقوات العسكرية انسحبتا عندما بدأت مليشيا مجهولة الهوية، ارتدى بعض عناصرها زياً موحدًا، بإطلاق النار”.

مجزرة السنك والخلاني شاهد على حمام الدم الميليشياوي ضد ثوار العراق وأحراره

وحتى الآن، لم تكشف السلطات الحكومية عن نتائج لجنة تحقيقها التي قالت إنها ستعلن ملابسات الهجوم والمتورطين به، إثر ضغوط أممية ودولية عليها، لكن لغاية الآن لم تعلن عن أي تفاصيل رغم أن رئيس وزراء حكومة الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني تعهد بإعلان نتائج التحقيق بالأحداث التي رافقت تظاهرات تشرين قبل نهاية العام الجاري.
وكانت منظمة العفو الدولية قد جمعت شهادات تفصيلية من شهود عيان حول الهجوم المنسَّق الذي لم تكشف حتى اللحظة السلطات الحكومية الجهات المتورطة به على الرغم من هويتها المفضوحة لدى العراقيين.
وتحقَّقت المنظمة من لقطات مصورة وردت من بغداد وتمّ التحقق منها أثبتت شهادات الشهود الذين قدَّموا وصفًا لوصول أرتال المسلحين.
ووصف الشهود كيف وصل مسلحون بأعداد لا تحصى في شاحنات بيك آب وحافلات صغيرة، بينما عمدَ آخرون إلى إطلاق النار على المحتجين وطعنهم، وهاجموا أجزاءًا من مبنى “مرآب السنك” وأضرموا النار فيه.
وقال أحد شهود العيان لمنظمة العفو الدولية إنهم “جاءؤا بقصد القتل فقد فتحوا النار فورًا، واستهدفوا الناس بإطلاق بشكل مباشر، وليس في الهواء ولم يكونوا يرتدون أقنعة ولا أعتقد أنهم كانوا يكترثون بالأمر إذا شاهدهم أحد”.
وقال شاهد عيان آخر لمنظمة العفو الدولية “قدموا في شاحنات بيك آب وحافلات صغيرة ولا نعرف كيف عبروا بغداد مع كل نقاط التفتيش المنتشرة فيها دون أن يوقفهم أحد”.
وقال شاهد عيان ثالث لمنظمة العفو الدولية “لقد كان المشهد مرعبًا، خاصة لأن الأوضاع كانت هادئة تمامًا خلال الأيام القليلة التي سبقت الهجوم وكان المحتجون مفعمين بالأمل، بعد أن أولوا أهمية بالغة للعمل المنظم والسلمي عقب أن شعر الجميع بالقوة بعد استقالة عادل عبد المهدي”.
وأظهرت وثيقة رسمية من قيادة عمليات بغداد، تضمنت معلومات عن حصول تجمع لعناصر من ميليشيا “حزب الله” يوم الحادثة في جامع “بقية الله” وسط شارع فلسطين.
وتشير الوثيقة إلى أن ما بين 300 إلى 400 من أفراد الميليشيا، حضروا صباح الجمعة إلى الجامع ومعهم أسلحة خفيفة ومتوسطة، ومن ثمّ غادر معظمهم وبقي فقط نحو 60 عنصرًا في الجامع، وذلك قبيل ساعات من شن الهجوم على ساحة الخلاني، كما توضح اقتراح أن “يتمّ سحب عناصر الأمن المكلفين بحماية الجامع”، باعتبار أن عناصر الميليشيا موجودين فيه وهم من سيقومون بتوفير الحماية له.

عام 2023 يوشك على الانتهاء دون أن تلتزم حكومة السوداني بتعهداتها بالكشف عن قتلة المتظاهرين

ويعتقد ناشط من بغداد كان على مقربة من مرآب السنك يومها، أنّ “الجهة المسؤولة عن المجزرة عرفت منذ اليوم الأول وكانت تحت أنظار الحكومة وأنّ حركة الآليات المستخدمة في العملية كانت مسجلة لدى نقاط التفتيش القريبة من الحادثط.
ويروي الناشط الذي فضل عدم الكشف عن هويته خشية ملاحقة الميليشيات له ولعائلته تفاصيل الحادثة، قائلًا إنّ “الجهة المنفذة كانت ترتدي زيًا موحدًا وسيارات بدون أرقام لكننا تأكدنا منها بعد الانسحاب من المنطقة وهي تابعة لكتائب حزب الله، لأنهم أخذوا بعض الشباب إلى منطقة خارج بغداد، وتحديدًا في مزرعة بقضاء الطارمية تعود لرئيس أركان الحشد الشعبي والقيادي بالكتائب الملقب بالخال، واسمه عبد العزيز المحمداوي”، في إشارة إلى خليفة “أبو مهدي المهندس”، ورئيس أركان الحشد الشعبي الحالي.
وأضاف الناشط أن الشباب الذين اختطفوا من مرآب السنك اقتيدوا إلى مزرعة “أبو فدك” أو ما يلقب بـ”الخال”.
وتابع “السلطة حاولت إخفاء القوة المهاجمة والتستر عليها وعدم كشف منفذيها بسبب انتمائهم لجهات محسوبة ضمنًا على السلطة، فيما أشار إلى أنّ “تأثير هذه الحادثة كان على كل ثورة تشرين بسبب المواجهة التي حصلت بين شباب أعزل وميليشيا مسلحة أدت إلى استشهاد البعض وكذلك خطف وتعذيب غيرهم”.
وسبق أن تنصلت ميليشيا الحشد الشعبي في العراق من إقرارها بإطلاق مسلحيها النار ليلة حصول المجزرة في ساحة الخلاني وسط بغداد، زاعمة أن موقعها الإلكتروني تعرض للاختراق.
ونشر موقع الميليشيا الإلكتروني تنويها مقتضبا بعد يوم على الاعتراف رسميا قالت فيه إن “موقع الحشد الشعبي الإلكتروني تعرض لهجمات اختراق وتم معالجة الاختراق من قبل الفرق المختصة”.
وأقر الحشد عبر بيان على موقعه الإلكتروني إطلاق مسلحيه النار ليلة الجمعة في ساحة الخلاني والمنطقة المحيطة بها قرب جسر السنك وسط بغداد، استجابة لاستنجاد متظاهرين تعرضوا للاعتداء من “مخربين”.
وكان هذا الاعتراف المرة الأولى التي يقر فيها الحشد بتواجد مسلحيه في مواقع تجمع المحتجين المناوئين للحكومة، بخلاف ما كرره على مدى أسابيع قبل الحادثة بأن مسلحيه لا يتم تكليفهم بمهام حفظ الأمن أو غير ذلك في مواقع التظاهرات.
وأوضح الحشد أن “المخترقين نشروا بيانًا حول أحداث ساحة الخلاني المؤسفة، وهو غير صحيح، وتم حذفه”.
وعلى الرغم من أن المجزرة لم تستغرق أكثر من 20 دقيقة إلا أن منفذيها حرصوا على ترك بصمة لهم تشير لمرجعيتهم العسكرية بعد أن رفعوا لافتة كتب عليها (الخال) وهو لقب القيادي بمليشيا كتائب حزب الله العراقية عبد العزيز المحمداوي المدرج على قوائم الإرهاب.
ويحفل سجل مليشيا “الحشد الشعبي” في العراق بالإضافة إلى تورطه في عمليات الاغتيال والقمع والتنكيل ضد ثوار تشرين بانتهاكات ترقى إلى جرائم تطهير عرقي، بحق سكان المدن المنكوبة التي تمت استعادة السيطرة عليها قبل سنوات وذلك بحسب منظمات حقوقية محلية ودولية.
وتتهم أطراف ناشطة ومنظمات حقوقية وهيئات دولية على رأسها الأمم المتحدة ميليشيا الحشد بارتكاب جرائم عدة على خلفية طائفية ضد المدنيين خلال الفترة ما بين 2014 و2016، تنوعت بين التعذيب والإخفاء القسري وقتل مدنيين وأسرى تحت التعذيب ونهب مدن ومناطق قبل حرق ونسف آلاف المنازل والمحال بها.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى