أخبار الرافدين
طلعت رميح

  كيف تفوقت المقاومة في إعلام الحرب؟

أينما تنظر في مختلف أنحاء العالم، تجد رواية المقاومة الفلسطينية حاضرة وفي أغلب الأحيان متسيدة، وقد بات الاعتراف بنجاحها علنيًا، من قبل الدوائر الأمريكية والبريطانية والصهيونية التي باتت تحذر من احتمالات الهزيمة.
وصل الأمر بوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أن حذر من خسارة إسرائيل للمعركة استراتيجيًا وأن تحدث الرئيس الأمريكي جو بايدن عن زيادة عزلة إسرائيل في العالم.
لقد قدمت المقاومة نمطًا متفوقًا من إعلام الأزمات. نمط تمكن من تغيير الآراء والمواقف ووصل درجة إعادة صياغة الوعي الجمعي في المجتمعات، وهو ما سيكون له دور مستقبلي حاسم في تحديد مآلات الصراع. وللدلالة، فقد أفادت استطلاعات رأي أمريكية بأن نسبة كبيرة من الشباب الأمريكي، المستطلعة آرائهم، باتوا يرون أن الحل هو تفكيك وإنهاء إسرائيل وتسليم الأراضي للفلسطينيين.
كما كان مدهشًا للجميع، أن تمكن إعلام المقاومة الفلسطينية من خلخلة سيطرة الكيان الصهيوني، على منافذ الأخبار وأدوات الترويج العالمية التأثير، بما جعلها مجبرة على نقل الرواية الفلسطينية.
وقد اختارت المقاومة نمط الإعلام الصادق، فيما الشائع في الحروب هو نمط الإعلام الكاذب والحرب النفسية المعتمدة على فبركة الأخبار والفيديوهات.
وإن أمسكت المقاومة بجوهر قانون الانتصار في نمط حروب المقاومة.
في إعلام الحروب يتحول الإعلام –الكلمة والصورة والفيديو- إلى جزء من خطة الحرب، ويمكن القول بأنه يلعب دورًا أساسيًا في الحرب النفسية المرتبطة بالفعل العسكري.
وفي حروب المقاومة يتطور الأمر ويصبح ذو وضع ودرس من نمط خاص. فعلى غير ما هو متصور، فالإعلام له الدور الحاسم في النصر. قانون حروب المقاومة هو أن كل الفعاليات تنصب على هزيمة إرادة العدو، ونقل المعركة إلى داخله للتأثير على المجتمع والقرار السياسي والعسكري. ولذلك فكثير من العمليات العسكرية –أو تلك التي يتناولها إعلام المقاومة- توجه لتحقيق هذا الهدف بالدرجة الأولى.
وهو ما امتلكته المقاومة الفلسطينية إلى درجة أثارت دهشة الصهاينة بحكم درجة تأثير إعلامها على الرأي العام الدولي، وبعد أن أصبحت مصدقة في الداخل الصهيوني أكثر من كثير من الإعلام الرسمي والخاص بكل أشكاله على صعيد مجريات المعركة العسكرية.
وقد ظهر كيف استفادت المقاومة من فرض الجيش وأجهزة الاستخبارات رقابة عسكرية على كل ما ينشر داخل الكيان، وهو ما فتح مساحة استثمرها إعلام المقاومة، فاضطرت الأجهزة الصهيونية إلى ذكر بعض حقائق ما يجري، وبشكل خاص بشأن الخسائر العسكرية لترميم حالة فقدان السيطرة الإعلامية.
لقد بدأ العدو الصهيوني معركته الإعلامية مرتبكًا. بدأ وهو واقع تحت تأثير ضربة السابع من تشرين الأول (أكتوبر) من جهة، وتحت تأثير غطرسته وشعوره الطاغي بامتلاك القدرة على حسم المعركة عسكريًا. كما وقع الإعلام الصهيوني ضحية الامتلاء بالشعور بالسيطرة الإعلامية على سردية الحرب وضحية انفراده التاريخي بالتأثير على الرأي العام الدولي بحكم سيطرته على وسائل الإعلام الغربية الكبرى.
فجاءت تغطياته وتصريحات قادته ترجمة لتلك الحالة. وزاد من الفشل، أن اعتمد الإعلام الصهيوني خططه القديمة في التعامل مع واقع جديد.
لكن الأمر اللافت، أن جاءت الفيديوهات والتصريحات التي بثها الإعلام المقاوم على درجة عالية من الاحترافية، فيما المقاومة تعيش تحت الحصار الشامل منذ سنوات طوال. كانت المفاجأة بقدر أعلى حتى من إمتلاك المقاومة تلك القدره العسكرية التي ظهرت خلال القتال.
وكان لافتًا أكثر أن اختار الإعلام المقاوم نمطًا من الفيديوهات والصور التي تسجل عمليات حية خلال القتال ويظهر فيها تدمير الدبابات وقنص الجنود، على عكس الفيديوهات التي نشرها الجيش الصهيوني ولم يظهر فيها الطرف الآخر في القتال.
واختار الإعلام المقاوم نمط الفيديوهات التي تحمل الحقيقة كاملة حول وضع الأسرى الصهاينة لديها، وأن وجهوا رسائل إلى ذويهم أو الى نتنياهو شخصيًا.
وفى ذلك لم يكن بارزًا فقط، توقيت النشر بل توقيت التسجيل، إذ أذيعت تسجيلات للأسرى بعد أسرهم مباشرة وخلال العمليات القتالية ليحذروا من أن قصف الطائرات الصهيونية يطاردهم بالموت، ومن ثم جاء الإعلان عن قتل بعض الأسرى بسبب القصف الصهيوني حاملًا رواية كاملة لا تقبل التشكيك.
ففي حالة الجندي الصهيوني الذي قتل أثناء محاولة الجيش الصهيوني فكه من الأسر، جاءت القصة كاملة. كان ثمة تسجيل قبل قتله يحذر من محاولة فكه من الأسر ونتائجها.
ولقد أفشل إعلام المقاومة الاتهامات التي كانت معدة سلفًا، بسوء معاملة الأسرى وبالاعتداء عليهم، إذ حملت تسجيلات الإفراج عن من أفرج عنهم مزيج من الاحترافية واللقطات المعبرة بالشكر من الأسرى للمقاومين المرافقين لهم لحظة الإفراج عنهم.
لقد نجح الإعلام المقاوم في توفير مادة إعلامية دقيقة وصادقة للعمليات العسكرية لكافة صنوف الإعلام، وهو ما أفشل خطة شيطنة المقاومة التي جرى اعتمادها ليس فقط من وسائل إعلام صهيونية بل من وسائل إعلام غربية عريقة في قدرتها على التزييف. ونجح الإعلام المقاوم في مواجهة حرب الإشاعات وفي الرد على رسائل التهديد الموجهة لإضعاف الجبهة الداخلية الفلسطينية. ونجح في نقل المعركة الإعلامية إلى الداخل الصهيوني ووصل إلى التأثير في المجريات السياسية والمجتمعية وفي التأثير على إرادة جنود العدو.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى