أخبار الرافدين
طلعت رميح

الوقت يجري لصالح من؟

تطوي الحرب بأحداثها المروعة للعالم أجمع، شهرها الثالث خلال أيام.
وإذ حققت المقاومة الفلسطينية أهداف ضربتها الاستراتيجية في عدة ساعات من صبيحة يوم 7 أكتوبر، فالجيش الصهيوني يواصل حرب الإبادة الشاملة التي يشنها على غزة على مدار كل هذا الوقت، دون أن يحقق أيًا من أهدافه المعلنة سواء ما تعلق منها بالقضاء على المقاومة أو بتحرير الأسرى الصهاينة.
ووصل اليأس لدى القادة الصهاينة من قدرتهم على تحقيق أهدافهم حد الإعلان أن ما زال أمامهم شهورًا لتحقيق تلك الأهداف.
القادة الصهاينة يطلقون تصريحات يومية ملخصها أن الحرب – العدوان – سيتواصل لشهور أخرى، وأنهم يرفضون وقفًا دائمًا لإطلاق النار ويقبلون فقط بوقف مؤقت خلال عملية تبادل الأسرى، على غرار ما حدث خلال التبادل الذي جرى في بداية الحرب.
والناطقون باسم المقاومة، أعلنوا بوضوح أن لا هدن ولا إفراج عن أسرى، إلا بوقف العدوان، وأن يكون وقف إطلاق النار دائم وبضمانات تمنع تجدد العدوان.
ولذلك أصبح عامل الوقت وعنصر الزمن، هو القضية الجوهرية الآن في إدارة الصراع.
هناك من يخشى أن يعمل الوقت لمصلحة الكيان الصهيوني، إذ غزة محاصرة منذ سنوات، وقد تشدد عليها الحصار خلال العدوان، وأصبح أقسى من نموذج الحصار الذي عاشته إستالينجراد خلال الحرب العالمية الثانية، بأضعاف مضاعفة ليس فقط لأن غزة محاصرة منذ 17 عامًا -فيما حصار إستالينجراد استمر لعامين – بل لأن الحصار يشمل الماء والغذاء والدواء، ولأن لا قاعدة إمداد لغزة فيما كان الاتحاد السوفيتي كله قاعدة إمداد لاستالينجراد.
كما أن عداد القتل والهدم في غزة يتضاعف بمرور الوقت والعدوان.
وقد سجل الجيش الصهيوني معدلات غير مسبوقة تاريخيًا في قتل المدنيين وهدم المساكن حتى أصبح الباقون على قيد الحياة من سكان غزة لا مأوى لهم، بعد أن جرى تدمير أكثر من 70 بالمائة من المساكن في القطاع.
وفي معادلة الوقت وارتباطه بالمعادلات الاستراتيجية، فهناك من يعبر عن خشيته من أن يعمل الوقت لصالح الكيان الصهيوني، بحكم الدعم الغربي اللامحدود للكيان والجيش الصهيوني بالسلاح والغذاء والمال، بما يعزز قدرته على الاستمرار في الحرب ويقلل من تأثير عامل الوقت على قراراته، باعتبار أن غزة ومقاومتها بلا سند ولا إمداد لها بأي نوع من أنواع دعم مقومات الحياة فضلًا عن أن لا مساند لها بإمدادات بالسلاح.
فمخازن الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرها – مفتوحة لإمداد الجيش الصهيوني -مجانًا- فيما المقاومة تعتمد على قدرات ورشها أو مصانعها المتواضعة في إنتاج السلاح.
وواقع الحال، أن سؤال الوقت كان ملازمًا دومًا لكل حروب المقاومة التي واجهت المحتلين، ذلك أن قانون حروب المقاومة هو إطالة أمد الحرب لإنهاك جيش الاحتلال والصعود بتأثير الحرب إلى مجتمع الدولة المحتلة، والمراهنة على أن يؤدي نزيف خسائر جيش الاحتلال المتمدد زمنيًا إلى كسر إرادة دولة الاحتلال، ويجعلها تتخذ القرار بوقف الحرب والانسحاب.
فهل تستطيع المقاومة والشعب الفلسطيني في غزة، الاستمرار في الحرب حتى تحقيق تلك المعادلة؟
في المواقف المعلنة ووفقًا للجاري على الأرض، فالمقاومة لا تزال تتمتع بالقدرة على الاستمرار لا في الحرب فقط، بل في تسخير عامل الوقت لمصلحتها على الرغم من هول ما يجري من قتل ودمار فهي توقع بالجيش الصهيوني ما لم يتعرض له من قبل من خسائر في المعدات والأفراد، وهي حققت معدلات رعب للقائد والجندي الصهيوني إلى درجة التأثير على إرادة الاستمرار في الحرب البرية أو في السعي الجاري لتشكيل نقاط تمركز وسيطرة دائمة في داخل أحياء قطاع غزة.
كما أنها تمكنت من نقل المعركة إلى داخل تشكيلة صناعة القرار، وإلى داخل مجتمع العدو وإذ وصل الاضطراب في دائرة صناعة القرار إلى عدم القدرة على مناقشة ما بعد الحرب بسبب الخلاف بين حكومة الائتلاف المشكلة بعد آخر انتخابات وحكومة الحرب التي تشكلت لضروراتها، وإلى تسيير مظاهرات في الشوارع تطالب بصفقة لتبادل الأسرى توقف الحرب، فقد وصل الأمر مؤخرًا أن بات هناك من القادة الصهاينة المؤثرين من يجاهر بوقوع الهزيمة أمام المقاومة، وأن النصر الوحيد الذي يمكن تحقيقه هو إطاحة نتنياهو من الحكم كما فعل دان حالوتس رئيس أركان الجيش الصهيوني الأسبق.
والأهم أن المقاومة تمسك بورقة الضغط الفاعلة في تحريك الأحداث وهي ورقة الأسرى ولا تفرط فيها بما يظهر إدراكها لعنصر الزمن.
لقد أعلنت المقاومة بشكل قاطع، أنها لن تقبل بأية مفاوضات للإفراج عن الرهائن إلا بعد وقف القصف والهدم والقتل، وعلى قاعدة وقف إطلاق نار دائم وبضمانات دولية، أما قصة السلاح فالأمر واضح، إذ المقاومة لا تنتج لا طائرات ولا دبابات، ويكفيها فقط ما تنتج من حشوات ما لديها من قواذف وطلقات قنص، وقد رأينا كيف أنها قادرة حتى على تدوير ما لا ينفجر من قنابل وصواريخ العدو، كما أن المقاومة في فيتنام والعراق وأفغانستان، هزمت الجيش الأمريكي الذي يقف خلف إمداده، الاقتصاد الأمريكي وأعتى مصانع السلاح فى العالم.
وهكذا إذ يبدو للوهلة الأولى وبالحسابات الرقمية، أن الوقت يجري لمصلحة الكيان الصهيوني، ففعليًا وعلى صعيد الواقع لا يزال الوقت يجري لصالح المقاومة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى