أخبار الرافدين
طلعت رميح

العمى الطائفي المقيت

كان بإمكان حسن نصر الله أن ينطق بجمل غائمة حين الحديث عن المقاومة الوطنية العراقية التي اشتعلت ضد الاحتلال الأمريكي وأنهكته وأجبرته على إنهاء مرحلة الاحتلال العسكري المباشر. كان سيجد مبررًا أمام رعاته، بأنه لجأ لذلك مراعاة لحاجته للمساندة الشعبية في هذا التوقيت، إذ يهدد الكيان الصهيوني حزبه ولبنان، بأن يكون الهدف المقبل، أو لأن ثمة بوادر ومؤشرات على قرار صهيوني أمريكي بإنهاء دور ولعبة نصر الله وأشباهه في المنطقة.
لكن نصر الله أبى واستحكم عقله، إلا أن يكون طائفيًا كما كان دومًا. فالطائفية مرض وغرض. لم يكن مطلوبًا ولا متوقعًا منه أن يشيد بواحدة من أسرع واقوى وأنبل أشكال المقاومة، وهو الطائفي المقيت الذي عاداها، بل أن يراعي طبيعة مصالحه في المرحلة الحالية.
لكنه لم يفعل.
كان بإمكان نصر الله أن يفوت هذا الظرف، فلا يكون طائفيًا مقيتًا، وهو الذي أبدى مرونة في نفس الخطاب بشأن الوعد الذي قطعه على نفسه في خطاب ناري سابق، بأن المس الصهيوني بالضاحية والاعتداء أو اعمال الاغتيال على الأراضي اللبنانية، ستلاقي ردا قويًا.
لقد عاد للوراء في هذا الخطاب، ودخل في نوبة تبرير لتراجعه، بالقول بأن الظروف مختلفة وأن الحرب مشتعلة….
وكان بإمكانه ألا يكرر ما كان قد قاله فجلب عليه ردود فعل عاتية، حين افترى على أرواح الشهداء ودماء العراقيين، بنسبه دور المقاومة الوطنية العراقية الى صنفه الطائفي الذي كان في موقع المتعاون مع الاحتلال طمعًا وطلبًا لفتات موائد المحتلين. كان في حل هذه المرة من مدح وتوجيه التحية لمن وقفوا مع الاحتلال الأمريكي وساندوه وما زالوا، ولمن وقفوا ضد المقاومة الوطنية وكانوا في موقع المرشدين للاحتلال، ولمن عملوا تحت غطاء الطائرات الحربية الأمريكية في الحرب الطائفية، ولمن عملوا تحت حماية الروسي خلال الحرب الطائفية في سوريا.
تحدث نصر الله بعد ساعات من استشهاد نائب رئيس المكتب السياسي لحماس صالح العاروري على أرض الضاحية الجنوبية حيث موقع حياة ونشاط ومركز حماية نصر الله الطائفي، وشمل خطابه تحايا طائفية وجهها لقاسم سليماني والحوثيين وإيران وخامنئي بطبيعة الحال.
هو حر في أن يحيي من يريد، فالقتلة الطائفيين هذا ديدنهم وهم أولياء بعضهم البعض. قد كان لازمًا أن يحيي إيران وأتباعها، إذ إيران حسب قوله الأشهر “هي من تدفع مصاري ومعاشات اعضاء حزبه ومن توفر له السلاح” وكان لازمًا أن يحيي أتباعها إذ هم أركان المخطط الإيراني الطائفي الإجرامي في المنطقة، وحزبه وجماعته جزء منها.
لكنه تعمد في الحديث عن العراق، أن يعيد تكرار كلماته المسمومة وأكاذيبه وافتراءاته بشأن من قاوم الاحتلال الأمريكي وقدم التضحيات وصار نموذجًا يحتذى في مواجهة الجيش الأقوى في العالم.
وهو ما يكشف، كيف هو طائفي مقيت حتى وهو مقبل على احتمالات اغتياله. أبى ألا يشهد شهادة صدق، وهو في هذا الحال.
ووفقًا لبعض الرؤى، فنصر الله أراد مجددًا أن يحيي من كانوا ولا يزالون في صف سلطة الاحتلال الأمريكي، ليبرئ نفسه من فكرة وحالة المقاومة الحقيقية. وأنه أراد أن يثبت في هذا التوقيت شدة ولائه لإيران والتأكيد على استمرار اصطفافه في داخل المعسكر الطاعن بنصال حامية في جسد من قاوم الاحتلال الأمريكي.
وهناك رؤى أخرى، تقول إنه لا ينسى أن حماس في أول الأمر وآخره ليست من صنفه الطائفي. وأنه أراد حشر صنفه الطائفي بكافة جماعاته المرتبطة بإيران، لتبييض وجهها الحقيقي الملطخ بدماء القتل على الهوية، بعد أن تسبب طوفان الأقصى في إبراز نمط مقاومة حقيقية، نمط مقاومة وطنية، وأنه يخشى من هذا الانتصار الذي قال الجميع إنه معركة وانتصار حقيقي في مواجهة كاملة، لا مع الجيش الصهيوني فقط بل مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمانيا أيضًا. أراد حشر نفسه وأمثاله في صناعة هذا النصر، والتغطية على خذلانه للمقاومة وهو الذي كان –ولازال- يرفع شعارات الأقصى وطريق القدس، ووحدة الساحات إلى آخر تلك الشعارات الطنانة.
ويبدو أنه قرر أن يسرق نصر المقاومة العراقية، في زحام زخم انتصار المقاومة الفلسطينية.
وخلاصة ما قاله نصر الله، أن المقاومة الفلسطينية هي من اتخذت قرار الهجوم الإستراتيجي في السابع من تشرين الأول، وهي إشارة تبرير لعدم تقديم مساندة حقيقية للمقاومة. وأن سيكون هناك رد في الأيام والليالي على عملية اغتيال العاروري في الضاحية الجنوبية، وأن ما يقوم به نصر الله وجماعاته العسكرية في جنوب لبنان، هو لمنع “إسرائيل” من شن عدوان على لبنان.
أبى أن يكون إلا طائفيًا مقيتًا حتى أحرج الأوقات.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى