أخبار الرافدين
طلعت رميح

الأبعاد غير المنظورة في معركة رفح

معركتان في معركة واحدة، اقتحام رفح بريًا، ومفاوضات صفقة وقف إطلاق النار والانسحاب وتبادل الأسرى، أو كلاهما وجه للآخر. وهما يتكاملان ليشكلا مشهد المعركة الختامية في تلك الحرب المتواصلة لأكثر من أربعة أشهر.
والأهم إن معركة رفح، أو الضغط العسكري والتهديد بارتكاب مجازر في منطقه تضم نحو مليون و400 ألف فلسطيني، وصفقة التبادل والانسحاب ووقف إطلاق النار، هي ذاتها مفاوضات تتناول ترتيبات مرحلة ما بعد الحرب. وذلك بعد غير منظور.
فالولايات المتحدة وأطراف أخرى، تتعامل مع الضغط العسكري الصهيوني والتهديد بالاجتياح الكامل لرفع، والحراك حول الصفقة ضمن سياق الوصول إلى تسوية تتضمن إحداث تغيير سياسي في غزة، بل حتى على صعيد القضية الفلسطينية ككل.
معركة رفح هي معركة نوعية مختلفة، تغيرت فيها الأدوار بين العسكري والسياسي والدبلوماسي. إذ يتقدم فيها الأخير على الأول. ويمكن القول بأن الهجمات العسكرية والتهديد باجتياح بري شامل لرفح يستخدم الآن في الضغط لتحقيق مكاسب في التفاوض، وأن هذا الضغط العسكري لم يعد مرتبطًا بتلك الأهداف الكبرى التي طالما تحدث عنها نتنياهو من القضاء على حماس وتحرير الأسرى بالقوة واحتلال غزة. إذ تلك الأهداف سقطت وانتهت فالتفاوض يجري مع حماس ذاتها، بل بات مرتبطًا بإنفاذ رؤية الولايات المتحدة لغزة والقضية الفلسطينية ما بعد الحرب.
ولذلك فهي المعركة الختامية. والوجه الآخر لها، أنها معركة حول التهجير أو تحت ضغطه.
في بداية العدوان والأعمال الإجرامية الصهيونية، جرى الحديث عن أهداف كبرى، حددها نتنياهو في القضاء على حماس واحتلال غزة وإدارتها عسكريًا، وحددها الأشد تطرفًا في حكومته إيتمار بن غفير في العودة للاستيطان في غزة بعد طرد وتهجير سكانها باتجاه مصر أو أية دول أخرى. وكان واضحًا في تلك المرحلة عدم التفات نتنياهو وحكومته، بل حتى المعارضين له، إلى أية مواقف سياسية أو دبلوماسية خارجية رافضة لتلك الجرائم النازية والفاشية، وكان نتنياهو يرفض مجرد الحديث عما بعد الحرب مع أية أطراف دولية.
وقد استمر العدوان على هذا الحال، بعد انتقال الغزو البري من الشمال إلى وسط القطاع وبشكل خاص في غزة وخان يونس.
وخلال تلك العمليات، كان يجري دفع السكان من منطقه إلى أخرى. لقد جرى دفع قطاعات من سكان الشمال إلى الوسط ثم جرى دفع السكان من الوسط إلى الجنوب في رفح.
والآن، لم يعد هناك مكان في قطاع غزة يمكن دفع هؤلاء السكان إليه، إلا باعتماد دورة عكسية بالعودة لترحيلهم باتجاه الوسط أو الشمال وهو أمر يخشاه نتنياهو وحكومته، إذ يعنى الإقرار بسقوط مشروع وخيار التهجير خارج الحدود، كما هو يعني توفير مزيد من الحاضنة الشعبية للمقاومة في الوسط والجنوب.
ولذلك فالأمر مختلف في الهجوم البري لاحتلال رفح.
المعركة حول رفح ختامية، لجولات الحرب الجارية منذ السابع من تشرين الأول الماضي وحتى الآن، وهي معركة تجري تحت عناوين إستراتيجية ثلاثة:
العنوان الأول هو ما تطرحه المقاومة من صفقة لوقف إطلاق النار وانسحاب القوات الصهيونية من غزة وتبادل الأسرى وفك الحصار.
والعنوان الثاني هو ما يطرحه نتنياهو والأشد تطرفًا في حكومته من القضاء على حماس، أو على قدراتها، واحتلال غزة وتهجير سكانها وبدء إقامة مستوطنات على أرضها.
والعنوان الثالث، هو ما تطرحه الولايات المتحدة من رفض احتلال غزة والعمل من خلال الضغط العسكري والحرب لإنهاء حكم ودور وسلاح حماس والمقاومة، وبدء مفاوضات حول إنشاء ما تصفه بـ “دولة فلسطينية” تضم ما تبقى من الضفة وغزة.
ولكل ذلك فهي معركة ختامية.
في النهاية أن الكيان الصهيوني يهدد بارتكاب مذابح أشد دموية مما سبق بحكم التكدس السكاني، وهو يروج إلى أن عدم الاجتياح البري لرفع يعنى عدم تحقيق النصر، كما يواصل نتنياهو فعاليات مخططة لاستمرار الحرب لضمان استمراره في الحكم.
وتستخدم الولايات المتحدة هذا التهديد الذي منحت الضوء الأخضر به لنتنياهو، والجرائم المتسلسلة لإخضاع إرادة الشعب الفلسطيني والمقاومة وتمرير مخططاتها وتحقيق أهدافها.
أما في الاتجاه الآخر، فإن المقاومة ترى أنها لم تخسر في الميدان، وأن الجيش الصهيوني تعرض لهزيمة قوية ويصعب عليه مواصلة الحرب لفترة طويلة. وهي تدرك أن نتنياهو والجيش، مترددان في قرار اقتحام رفح، إذ إن اجتياحها واحتلالها مع الفشل في تحرير الأسرى الصهاينة يعنى نهاية نتنياهو سياسيًا، وفقدان الثقة كليًا في الجيش ووقوعه تحت ضغط شعبي شامل لإنهاء الحرب.
ولذا؛ فهي تتحرك تكتيكيًا لمنع المذبحة ووقف إطلاق النار وإدخال المساعدات، وتعتمد فكرة الحركة المُمرحلة والمجزأة لإطالة أمد مجريات الصفقة، أملا في إحداث تغيرات في المشهد الراهن. وكل ذلك دون أن تقدم تنازلات إستراتيجية تضر بالقضية الفلسطينية على المدى البعيد أو تمنع استمرار حالة المقاومة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى