أخبار الرافدين
بلاد النهرين عطشىتقارير الرافدين

عجز حكومي عن كبح جماح أسعار اللحوم الحمراء مع اقتراب شهر رمضان المبارك

مربو المواشي والقصابون يجمعون على تحميل الحكومة مسؤولية ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء قبل رمضان لعجزها عن وضع حلول جذرية لأزمة الجفاف وارتفاع أسعار الأعلاف.

بغداد – الرافدين

اشتكى مواطنون من الارتفاع المطرد في أسعار اللحوم الحمراء في الأيام الأخيرة مع قرب حلول شهر رمضان المبارك في ظل عجز حكومي عن كبح جماح الأسعار والحد من تأثيراتها على العراقيين الذين باتوا عاجزين عن تأمين اللحوم في موائدهم.
ووصل سعر الكيلو غرام الواحد من لحوم الضأن إلى نحو 25 ألف دينار عراقي بمعدل زيادة 35 بالمائة بعد أن كان سعر الكيلو غرام الواحد يباع بمعدل 12 و15 ألف دينار بما يفوق القدرة الشرائية للعائلات متوسطة الدخل في وقت ترتفع فيه معدلات الفقر والبطالة في عموم البلاد.
وتحولت اللحوم التي تعد عنصرًا غذائيًا رئيسًا لاسيما في شهر رمضان، الى عامل يستنزف جيوب المواطنين المثقلين بهموم الحياة ومتطلباتها لينغص عليهم استعداداتهم للشهر الفضيل.
وقال المواطن علي راسم من بغداد، إن “أسعار المواد الغذائية وتحديدًا اللحوم أخذت بالارتفاع، حتى بلغ سعرها 25 ألف دينار للكيلوغرام الواحد، وهذا يعني أن شهر رمضان المقبل قد يكون صعباً على العراقيين، لا سيما أصحاب الدخل المحدود”،
وبين أن “العراقيين لا يرغبون بشراء اللحوم المستوردة، لأن الفكرة السائدة عنها أنها مجهولة المصدر”.
وأضاف راسم (44 عامًا) أن “تجار اللحوم يتجاوزون القوانين التي وضعتها الدولة والتسعيرات المحددة، وبالرغم من ذلك فإن إجراءات السلطات ضعيفة في هذا الأمر”.
بدورها، قالت السيدة أم نور من بغداد، إن “موسم التحضير وشراء المواد الغذائية الخاصة بشهر رمضان، قد بدأ بالفعل، وإن العراقيين اعتادوا على ارتفاع الأسعار في مثل هذه الأيام، وعودتها إلى الحالة الطبيعية قبل أيام من عيد الفطر”.
وأضافت أم نور (48 عامًا) “وبالرغم من هذا الاعتياد إلا أن ارتفاع أسعار اللحوم يشكل عبئًا على العراقيين كافة، حتى الميسورين منهم”.

ارتفاع أسعار اللحوم ينغص على العراقيين استعداداتهم لشهر رمضان في ظل غلاء المعيشة

وتتضارب المعلومات والتبريرات حول أسباب ارتفاع اللحوم الحمراء في العراق إلا أن مربي المواشي ومن يعمل في بيع اللحوم يتفق على تحميل الحكومة مسؤولية ارتفاع الأسعار.
وترجع المزارعة أم رحيم من قضاء السنية في محافظة القادسية، “ارتفاع أسعار المواشي إلى الجفاف وما خلفه من انحسار المراعي الطبيعية التي توفر الأعلاف مجانًا للمربين، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الأعلاف مع قلتها، وهذا الارتفاع أدى إلى ارتفاع أسعار الحلال عمومًا”.
وتضيف أن “القصاب الذي يشتري المواشي بسعر مرتفع، سوف يبيعها بسعر مرتفع أيضًا، فهو يريد الاستفادة والعيش، لذلك حصل هذا الارتفاع في أسعار اللحوم”.
ويتفق أبو مهدي من قضاء السنية في محافظة القادسية، والذي يبيع ويشتري المواشي من المربين، ومن ثم يبيعها في الأسواق المحلية التي تسمى بـ(الوكفة) أو (الجوبة) ومن ثم يأتي القصابون ليشتروا منها المواشي، مع ما ذهبت إليه أم رحيم.
ويوضح، أنه “في السابق كانت هناك مزارع جت وبرسيم، لكن حاليًا هذه المزارع غير متوفرة”.
ويضيف “سابقًا كان يُباع لوح علف الجت بأسعار تتراوح ما بين 30 – 40 ألف دينار، لكن حاليًا الأسعار من 70 – 80 ألف دينار، وهذا كله يؤدي إلى رفع سعر العجول والأبقار، أما أصحاب الأغنام فقد ذهبوا إلى البوادي لرعي الأغنام فيها لتوفر العشب هناك، ما سبب في هذه الشحة وارتفاع أسعار اللحوم”.
بدوره يقول محسن وهو بائع لحوم من قضاء الهاشمية في محافظة بابل، إنه “عندما كانت المياه متوفرة كان ضمان علف الجت سهلًا، لكن حاليًا هناك مشكلة في توفير العلف والذي يتراوح سعر الطن منه من 400 – 500 ألف دينار، كما كان سعر لوح الجت والبرسيم 40 ألف دينار، لكن حاليًا ارتفعت الأسعار إلى الضعف، لذلك أصبحت الأعلاف مكلفة”.
ويضيف “ونتيجة لما سبق، فإن أصحاب المواشي مجبرون على بيع الحلال بسعر مرتفع لقلّة المساحات الخضراء الطبيعية بسبب الجفاف”.
وتحاول الحكومة التقليل من تبعات ارتفاع أسعار اللحوم على تنوع المائدة العراقية وتأثر الطبقات الفقيرة ومتوسطة الدخل من خلال ربط الأمر بالارتفاع العالمي للسلع الغذائية.
وعن علاقة قرب شهر رمضان بارتفاع أسعار اللحوم، يوضح المتحدث باسم وزارة الزراعة محمد الخزاعي، أنه “في كل الدول العربية والإسلامية ترتفع الأسعار في شهر رمضان، وهذا لا يعزا إلى قلّة الموجود، بل تدخل فيه عوامل كثيرة منها زيادة الطلب، حيث إن الأسر العربية والإسلامية قبل الشهر الفضيل تتوجه إلى الأسواق للشراء، وفي ظل وجود بعض ضعاف النفوس من التجار تحدث عمليات احتكار، إلى جانب عوامل عديدة أخرى”.
ويكمل، أن “مراقبة الأسعار ليست من مسؤولية وزارة الزراعة، بل الجهات التابعة لوزارة الداخلية فهي المعنيّة بمراقبة حركة الأسعار في الأسواق، أما وزارة الزراعة فهي تقوم بما عليها من إجراءات وواجبات للحفاظ على مستويات معتدلة ومعقولة للأسعار في الأسواق المحلية”.
ويبين المتحدث باسم وزارة الزراعة، “أن زيادة الطلب على اللحوم المحلية أدى إلى ارتفاع أسعارها، لكن هذا الارتفاع مؤقت، وهو يتكرر في هذا الوقت من كل عام، وسوف تعود الأسعار تدريجيًا إلى مستوياتها الطبيعية قبل عيد الفطر”.
وخلص الخزاعي إلى القول، “لذلك المشكلة ليست في العراق فقط، وإنما في كل الدول يحدث استغلال المناسبات بزيادة أسعار بعض السلع التي تشهد طلبًا متزايدًا عليها بشكل غير طبيعي”.

تهريب المواشي إلى دول الجوار يفاقم أزمة ارتفاع أسعار اللحوم في وقت يزيد فيه الطلب ويقل العرض

وتبلغ حاجة الفرد العراقي وفقا لإحصاءات إلى 12 كيلوغرام سنويًا من اللحوم، مايعني أن العراق يحتاج لأكثر من 500 ألف طن من اللحوم الحمراء سنويًا، بينما لاينتج أكثر من 195 الف طن سنويًا، أي أن الإنتاج يغطي أقل من 40 بالمائة من الحاجة، لتبلغ نسبة العجز أكثر من 60 بالمائة، ليأتي تهريب الاغنام العراقية كسبب إضافي يجعل العرض غير قادر على سد الطلب.
ويؤكد الباحث في الشأن الاقتصادي عبد الرحمن الجبوري، أن “السلطات لم تتمكن من السيطرة على عمليات تهريب الأغنام من العراق نحو دول الجوار، بما فيها إيران وسوريا، وهو ما أدى إلى تراجع المتوفر من الأغنام المحلية، والمعروف أن المواطن يرغب كثيرًا باللحوم المحلية”،
ولفت الجبوري إلى أن “استمرار تصاعد أسعار اللحوم، سيؤدي إلى عزوف شريحة كبيرة من العراقيين عن شراء اللحوم، لا سيما وأن قيمة الدينار منخفضة منذ عامين، وهو ما سيزيد بالضرورة نسبة الفقر في البلاد في وقت تعجز فيه الحكومة عن وضع حلّ لهذه المشكلة”.
ويتفق الباحث الاقتصادي، عمر الحلبوسي، مع ما ذهب إليه الجبوري بالقول إن أسباب ارتفاع أسعار اللحوم ترجع إلى “تزايد عمليات تهريب المواشي من العراق نحو دول مجاورة، والذي أدى إلى تراجع كمية المعروض من الأغنام في السوق المحلية”.
وتابع الحلبوسي “يضاف لذلك، أن العراقيين يستهلكون اللحوم بشكل كبير، وقد استغل التجار هذا الاستهلاك من أجل تحقيق أرباح كبيرة من خلال رفع أسعار اللحوم، كما أن غياب الردع الحكومي للتجار وضبط الأسعار هو الآخر سبب من أسباب ارتفاع أسعار اللحوم”.
وعادة ما تلجأ المطاعم في العراق إلى شراء الأغنام المستوردة التي تدخل العراق بهدف تربيتها، بحيث تتغذى وترعى في المناطق الريفيّة خلال موسم الربيع الذي يكثر فيه العشب لتحسين طعم لحومها، من أجل الحفاظ على أسعار بعض الوجبات مع الحفاظ على نكهة اللحوم المحلية.
ويؤكد محمد البيضاني، وهو صاحب أحد المطاعم في العاصمة بغداد أن أسعار هذا النوع من الأغنام لا يتجاوز في الحد الأعلى 200 ألف دينار، ما يشكل فارقًا في السعر لدى أصحاب المطاعم، وحتى الجزارين”.
وأضاف “طعم لحم الأغنام يتأثر بنوعيّة العلف والمراعي التي تتغذى عليها؛ لذا، فإنه يتم اعتماد هذه الطريقة لإضافة النكهة العراقية لها وأن نسبة كبيرة من أصحاب المطاعم يميلون إلى استخدام لحوم الأغنام المستوردة المجمدة مع اتّباع خلطات مختلفة من البهارات والتوابل لتحسين المذاق”.
وعن مصادر استيراد تلك الأغنام، قال إن “كوبا والصين وأستراليا وكذلك إيران وسوريا، تعد الرافد الأكبر للأغنام المستوردة”.
لكنه استدرك قائلًا إن “المتذوق الحقيقي للحم، يميز بسهولة اختلاف الطعم، حتى وإن تم تغذية الخروف في العراق”.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى