أخبار الرافدين
طلعت رميح

المعركة القادمة… في الضفة والقدس

يلخص رئيس الوزراء الصهيوني السابق، إيهود أولمرت طبيعة علاقة ما هو جار في غزة، بما هو قادم في الضفة الغربية والقدس، بالقول “الهدف الاسمي للثنائي بن غفير وسموتريتش ليس احتلال غزة في المقام الأول، ولا الاستيطان في أرجاء القطاع المدمر. غزة هي فصل المقدمة، والمنبر الذي تريد هذه المجموعة إقامته كأساس، لتتم إدارة المعركة الحقيقية التي يتطلعون إليها، من فوقه، في الضفة الغربية والحرم (أي المسجد الأقصى). والهدف النهائي لهذه الزمرة، هو تطهير الضفة الغربية من السكان الفلسطينيين وتطهير الحرم من المصلين المسلمين وضم تلك المناطق لدولة إسرائيل”.
هذا التلخيص، هو توضيح دقيق لما كان معدًا، بل كان جاريًا بالفعل، وهو تأكيد على طبيعة القادم من معركة كبرى في الضفة والقدس. والشواهد على ذلك كثيرة، وهي تؤكد قرب اندلاع معركة كبرى، وأن ما نشاهده الآن في غزة سيتكرر هناك وأكثر.
وواقع الحال أن الأصل في الخطة الاستراتيجية الصهيونية، كان الإعداد لمعركة الضفة والقدس وليس في غزة، وكل الإجراءات كانت جارية في هذا الاتجاه. وقد كان السائد، أن تظل القيادة الصهيونية ملتزمة بالنظرية والخطة التي وضعها شارون، وترجمت فيما سمي بقانون فك الارتباط الذي طبق في عام 2005، وعلى أساسها تم الانسحاب من غزة.
قامت تلك الخطة على ترك غزة محاصرة مع تعميق أزمة حصارها، وعلى أن تكتفي القيادة الصهيونية بتوجيه ضربات إجهاضيه لمقاومتها بين فترة وأخرى “استراتيجية جز العشب”.
كان الهدف والإعداد يجري لإنهاء الوجود الفلسطيني في الضفة والقدس. وبالدقة أن تتسارع خطى إنجاز هذا الهدف. لكن ما حدث في عام 2021 غير الخطط الصهيونية.
كانت القيادة الصهيونية قد بدأت في هذا العام تسريع مخططاتها للسيطرة على الأقصى، وكان العنوان ما حدث في حي الشيخ جراح، والمسجد الأقصى، حين اقتحم آلاف من أفراد الشرطة الصهيونية المسجد، واحتلوه واعتدوا بوحشيه غير مسبوقة على المصلين في داخله وهو ما أدى إلى إصابة أكثر من 331 فلسطيني في عدة ساعات. وقد ترافقت تلك الاعتداءات مع أخرى في حي الشيخ جراح وملخصها عمليات طرد للسكان من منازلهم والاستيلاء عليها.
هنا أصدرت المقاومة في غزة ممثلة في كتائب القسام، إنذارا للقوات الصهيونية بالانسحاب من المسجد وإطلاق سراح الأسرى، وحددت توقيتا تتحرك بعده، إذا لم تتم الاستجابة لطلباتها. وإذ لم تستجب القيادة الصهيونية، فقد شنت القسام معركة هجومية على الكيان الصهيوني، كانت الأولى من نوعها في تاريخ الصراع. وهو ما قلب الاستراتيجية الصهيونية وجعل الطريق إلى معركة الضفة والقدس، يبدأ من غزة.
وقد تضاعفت ضرورة هذا التغيير في الاستراتيجية الصهيونية وأصبح قضية وجودية بعد قيام المقاومة بعملية طوفان الأقصى.
تبدلت الأولويات وأصبحت معركة غزة أولا، وتقرر أن يجري نقل زخم الحرب من غزة إلى الضفة والقدس في المرحلة التالية. وهو ما أشار إليه إيهود أولمرت.
وفي واقع الحال، فالكيان الصهيوني وضع كل الأسس لمعركة الضفة والقدس بصوره عملية خلال الأيام الأخيرة. وأول أساس لتلك المعركة، هو ما تمثل في الإعلان عن إجماع صهيوني على منع قيام دولة فلسطينية.
نتنياهو قال بوضوح، إن لا دولة فلسطينية لا لـ “فتح ستان” ولا لـ “حماس ستان”. وبن غفير وسموتيرتش قالا بجلاء إن لا دولة فلسطينية لا بالمفاوضات ولا دون مفاوضات. وانتهى الأمر الى تصويت الحكومة والمعارضة بالإجماع في الكنيست على قرار بمنع إقامة دولة فلسطينية.
وتلك الأقوال والقرارات في جوهرها، ليست رأيًا ولا تصريحات، فلطالما قيل مثل هذا الكلام من قبل، ولا تشدد قبل المفاوضات، بل نحن أمام إعلان بإطلاق العنان لتسريع خطة الحرب على القدس والضفة على أساس محدد وقاطع، وأول ملامحها نهاية كل ما تم الاتفاق عليه في أوسلو رسميًا، ونهاية وجود السلطة الفلسطينية فعليًا ورسميًا. وأهم ملامحها، أن السيطرة الكاملة على الأقصى وطرد الفلسطينيين وتهجيرهم، قد دخل حيز التنفيذ.
والإجراءات الجارية الآن تؤكد الانتقال من الحديث إلى الفعل.
وما تصريحات الوزير الأشد تطرفا بن غفير، عن منع الفلسطينيين من الصلاة في المسجد الأقصى في رمضان، إلا اعلانًا ببداية تلك المعركة التي تجهزت لها القيادة الصهيونية. هي ليست مجرد تصريحات لمتطرف مهووس، بل إعلان حرب. وتسليح المستوطنين والعودة إلى سيرة العصابات الأولى، هو ضمن خطة الحرب. والقصد، ليس زيادة قوة النيران وتوسيع أعمال القتل، فقط، بل إطلاق اليد لأوسع عمليات تضييق شامل بهدف الطرد والتهجير، وبصددها ستتحدث القيادة الصهيونية عما يجري باعتباره حالة صراع بين الفلسطينيين والمستوطنين الذين يمارسون حقهم في الدفاع عن النفس. والجيش الصهيوني بات يشن أعمال اقتحام يومية لم تعد تستثني أية مدينة فلسطينية، بما في ذلك رام الله، ويلاحظ أن الاقتحامات باتت تشمل عمليات مماثلة لما يجري في غزة من تجريف للشوارع وهدم للمساكن لفتح طرق واسعة أمام حركة الآليات.
وهكذا، فإن الحرب الموازية الجارية في الضفة ستكون هي الحرب الشاملة بعد الانتهاء من غزة. ولذلك فالأمر متوقف على صمود المقاومة في الحرب الجارية على غزة.

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى