أخبار الرافدين
طلعت رميح

وماذا عن الكيان الصهيوني بعد الحرب؟

منذ بداية معركة طوفان الأقصى وبشكل خاص بعد بدء العدوان البري، يتردد ويتكرر السؤال عن غزة ما بعد الحرب، على ألسنة المسؤولين الأمريكيين والصهاينة وبالدقة يجري التساؤل حول من سيحكم غزة بعد إسقاط وإنهاء المقاومة وهزيمتها، وكيف سيكون وضع سكانها.
وكأن الكيان الصهيوني، قد حسم الحرب لصالحه وصار في موقع يسمح له بفرض ما يراه على غزة أرضًا وسكانًا. وفي ذلك سمعنا من يقول بعودة الاستيطان ويستعد لبناء مستعمرات في غزة، ومن يقول بعودة السلطة الفلسطينية لحكم غزة، ومن يتحدث عن اكتفاء الكيان الصهيوني باحتلال شريط حدودي داخل جغرافيًا غزة… وغيرها.
وإذ مر على الحرب أكثر من خمسة أشهر، بما أنهى أسطورة الجيش الذي لا يقهر والجيش القادر على حسم معاركه بالحرب الخاطفة. وإذ لم يعد ممكنًا الحديث عن نصر صهيوني، فيما لم تتحقق أيًا من الأهداف التي حددها نتنياهو عند بداية الحرب. وكذلك، إذ لم يتمكن الاحتلال من الانتقال من اختراق الأرض في غزة إلى تحقيق السيطرة، فالسؤال العكسي- الذي يتعلق بحاله الكيان الصهيوني بعد الحرب- هو ما يجب أن يطرح، خاصة، وأن كل المؤشرات والأحداث تظهر أن الكيان الصهيوني سيشهد تغييرات وحالة اضطراب وصراعات خطرة.
لا نقصد هنا مصير نتنياهو، الذي بات مؤكدًا أنه ذاهب إلى السجن بعد نهاية الحرب. ولا نقصد مصير الحكومة الحالية، إذ استطلاعات الرأي تؤكد أن حكومة بقيادة بيني غانتس في الطريق لحكم الكيان الصهيوني بعد انتهاء الحرب. ولا نقصد حتى اختلافات الرأي بين القيادات السياسية والعسكرية والأمنية، وقد وصل الأمر حد تبادل اتهامات غير مسبوقة حتى بين المشاركين في حكومة الحرب الحالية.
فالحاصل أن التجمع الصهيوني يشهد صراعات مصالح بين مكوناته ويشهد تغيير في نظرة المجتمع للجيش، بل أصبح الانتماء للجيش محل خلاف وصراع وسبب لاندلاع مظاهرات في الشوارع، ستخرج في مواجهتها مظاهرات مضادة.
في العلاقات المجتمعية، الصراعات تتعمق على نحو غير مسبوق. وإذا كان الصراع الشهير بين العلمانيين والمتدينين، قد جرى تاريخيًا باعتباره مجرد صراع فكري نخبوي، فقد تحول الآن إلى صراع بين كتل مجتمعية، يسكن كل منها في منطقة جغرافية مختلفة عن الأخرى –فيسكن المتدينون في القدس والمستوطنات فيما يسكن العلمانيون في تل أبيب وغيرها من المدن- وهو يتحول الآن إلى صراع بين من يدافع عن الكيان الصهيوني ومن يرفض الخدمة العسكرية، إذ يشن العلمانيون الآن حملة سياسية وإعلامية وتشريعية كبرى لفرض التجنيد في الجيش على المتدينين –الحريديم- الذين يرفضون الخدمة العسكرية تحت دعوى رفض اختلاط الرجال بالنساء في الجيش ولأنهم يرفضون فكرة وحاله الدولة الليبرالية.
وهؤلاء يمثلون نسبة 13 بالمائة من سكان الكيان الصهيوني. وقد أصبح تجنيدهم في الجيش الصهيوني ضرورة وجودية تحت ضغط نمط التحديات التي ظهرت مع طوفان الأقصى والتي وصفها وزير الدفاع الصهيوني يوآف غالانت بأنها تحديات لم يشهدها الكيان الصهيوني منذ 75 عامًا. ولأنه لم يعد ممكنًا تنفيذ طلب وزير الدفاع بمد خدمة جنود وضباط الجيش الحالي، فيما هناك من لا يتم تجنيدهم في الجيش أصلا.
وفي علاقة سلطات الدولة بعضها ببعض، وإذ جرى تسكين الصراع حول ما كان يوصف بالإصلاحات القانونية تحت ضغط اشتعال الحرب –وهو صراع امتد في الشوارع ووصل حد رفع شعارات العصيان المدني وشارك فيه ضباط وجنود من الاحتياط- فكل التوقعات تؤكد أن هذا الصراع سيندلع مجددًا وعلى نحو أخطر، بين يحاولون فرض تلك التعديلات مثل نتنياهو وحلفائه أمثال بن غفير وسموتريتش، وبين قوى عديدة داخل التجمع الصهيوني، ترى أن هذه التعديلات تغير النظام السياسي في الكيان الصهيوني، وتحوله لنظام استبدادي ديكتاتوري.
وهناك مشكلات جدت الآن في علاقة المدني والعسكري، وبشكل أوضح في نظرة التجمع الصهيوني لحقيقة قدرات جيشه وكونه قادرا على حماية الكيان وتوفير الأمن لسكانه.
الآن يرفض سكان المستوطنات في محيط غزة العودة للسكن في مستوطناتهم، رغم الإغراءات المالية التي قدمتها حكومة نتنياهو لهم، وهم يقولون بشكل واضح إنهم لا يشعرون بالأمان. وكذلك حال سكان مستوطنات الشمال، رغم مناشدات الجيش وإغراءات الحكومة.
وتلك حاله جديدة في نظرة المجتمع الصهيوني للجيش وقدراته.
وفى ذلك، يقول الروائي الصهيوني الشهير ديفيد غروسمان “في الوقت الحاضر أخشى أن تكون إسرائيل حصنًا أكثر من كونها وطنًا. إنه لا يوفر الأمن ولا الراحة ويراود جيراني الكثير من الشكوك والمطالب بشأن غرفه وجدرانه. وفى بعض الأحوال حول ذات وجوده”.
ويضيف “في ذلك السبت الأسود الفظيع تبين أن إسرائيل ليست فقط بعيدة عن أن تكون وطنًا بكل معنى الكلمة، بل إنها لا تعرف حتى كيف تكون حصنًا حقيقيًا” .
وهكذا فالسؤال المنطقي حتى الآن، هو ماذا عن الكيان الصهيوني بعد الحرب، ومدى ما سيشهده من تغييرات وحالة اضطراب وصراعات، سبق أن حذر قادة صهاينة من أنها ستنهي وجود الدولة.
هذا هو السؤال الأهم والأكثر منطقية وواقعية…

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى