أخبار الرافدين
طلعت رميح

هل يناور نصرالله بحماس والجهاد؟

تغيرت معادلات الصراع في الجنوب اللبناني وباتت تطرح أسئلة خطرة بعدما طال زمن معركة غزة، وبسبب تزايد التهديدات الصهيونية بغزو لبنان وأهم تلك الأسئلة يتعلق بوجود ودور وبالأحرى مصير حركتي حماس والجهاد في لبنان، على اعتبار أن دخولهما على خط العمل المسلح ضد الكيان الصهيوني من جنوب لبنان، هو الظاهرة الأكثر حيوية في مستجدات طوفان الأقصى على الساحة اللبنانية، إذ هي المرة الأولى التي تقاتل فيها الحركتان، انطلاقا من لبنان باتجاه الداخل الفلسطيني المحتل.
ولأن الكيان الصهيوني لا يتحدث عن القضاء على حماس في غزة فقط، بل يتحدث عن القضاء عليها في أي وكل مكان. ومن قبل ومن بعد، لأن هذا الدور “الجديد” لحماس والجهاد، يرتكن إلى توافقات مع مييلشيا حسن نصرالله التي اتخذت تلك الخطوة وفق حسابات مصلحية، يمكن أن تتغير، إن لم يكن لأسباب تتعلق بحسابات الصراعات الطائفية الداخلية، فبسبب ما هو متوقع من نتائج للمفاوضات السرية الجارية حاليًا بين إيران والولايات المتحدة.
كانت علاقات الصراع مستقرة في جنوب لبنان وشمال فلسطين المحتلة قبل طوفان الأقصى. وقد اختلفت الرؤى حول توصيفها. لقد نظر لها كحالة استقرار ناتجة عن وضعية ردع متبادلة بين ميليشيا نصرالله والكيان الصهيوني – كما يردد نصرالله وأعوانه- وجرى توصيفها كمعادلة تبادل مصالح وفق قاعدة الصمت مقابل الصمت، تمكن الكيان الصهيوني بسببها من تحقيق الهدوء لسكان الشمال ومن التركيز على الضفة وغزة، في مقابل منح ميليشيا نصرالله الفرصة الكاملة للقيام بعملية الإبادة والتطهير التي قامت بها ضد السنة في سوريا، والفرصة للسيطرة على الأوضاع الداخلية في لبنان خلال حركة التمرد الشعبي على الحكم الطائفي، وأثناء التوترات التي جرت مع القوى الطائفية الأخرى وبشكل خاص مع حزب القوات اللبنانية.
لكن طوفان الأقصى غير تلك الأوضاع والمعادلات المستقرة، إذ رأت ميليشيا نصرالله أن مصالحها تقتضي القيام ببعض الأعمال العسكرية تحت ظلال معركة الطوفان. كما أن تطورات الأحداث تنبئ باحتمال حدوث تغييرات أعمق، إذ تستمر المعارك في غزة من جهة، وتتصاعد التهديدات الصهيونية بالهجوم على لبنان من جهة أخرى.
لقد بدأ نصرالله أعمال الاشتباك المحدودة والمحددة مع القوات الصهيونية، كنمط من أنماط الهجمات الاستباقية استغلالا لحالة التركيز الصهيوني على غزة بهدف تقليل فرص انتقاله بعملياته العدوانية إلى لبنان. وفي ذلك بدا واضحًا أن نصرالله بنى حساباته على أن المعركة ستكون قصيرة زمنيًا، وأنها لن تذهب إلى تداعيات تصل حد شن هجوم صهيوني على لبنان. وهو استهدف استثمار تلك العمليات لتبييض ساحة ميليشياته لدى الأطراف السنية التي يمكن لها أن تخدع مجددا.
ولأجل تقليل رد الفعل تجاه تحركه وللحصول على هامش أوسع في المناورة في الداخل والخارج، سمح نصرالله لحركتي حماس والجهاد بالقيام بعمليات عسكرية انطلاقًا من جنوب لبنان. وزاد على ذلك أن تخلى، بشكل مؤقت، عن حاله التفرد التي فرضها في الجنوب، إذ سمح أو فتح الطريق أمام الجماعة الإسلامية اللبنانية لممارسة أعمال مقاومة، وهو الذي كان يمنع ذلك من قبل، حتى قيل من أطراف عديدة، أن نصرالله وميليشياته باتوا في وضع الحراس للمستوطنات الصهيونية في شمال فلسطين المحتلة.
هو سعى لتحقيق مكاسب سريعة، وأبدى تشددًا في ربط عمليات ميليشياته بما يجري في غزة دون الخروج إلى صراع مفتوح، بتصور أن يعود بعد نهاية معركة غزة إلى المعادلات القديمة بشروط أفضل.
لكن الأمور لم تجر وفق ما تصور نصرالله، ولاح في الأفق تغيير للمعادلات في اتجاهات غير التي توقعها، وهو ما جعله يظهر تشدده في عدم مجاراة التصعيد الصهيوني الملحوظ أملا في تفادي وقوع حرب صهيونية على لبنان، إذ تتحدث القيادة الصهيونية عن استعداد القوات الصهيونية لشن هجوم شامل على لبنان. ويرى البعض أن اختيار نصرالله “نصف اللعبة” وضعف ردود فعله مقارنة بضخامة وحدّة تصريحاته، بات يشجع القوات الصهيونية على توسيع وتعميق هجماتها، إذ يلاحظ الجميع أن القوات الصهيونية تجاوزت ما رسمه نصرالله من معادلات القصف وباتت تهاجم قواته خارج حدود الجنوب اللبناني، فيما اقتصرت ردود فعله على المعادلة التي رسمها.
وفي ذلك لم يعد المعني باحتمالات التغيير الخطير المحتمل هو نصرالله وميلشياته بل حركتي حماس والجهاد في لبنان.
والأسباب لذلك متعددة، فنصرالله يمكن له في لحظة ما وتحت التهديد بتكرار الإبادة التي جرت في غزة في لبنان أن يعود لرسم معادلات سني شيعي التي اعتمدها من قبل عدة مرات، سواء خلال الهجوم على مخيم نهر البارد أو خلال المعركة التي جرت في الشمال اللبناني تحت عنوان الحرب على داعش. ونصرالله يمكن أن يصل إلى توافقات سرية مع قوى لبنانية رافضة للوجود الفلسطيني لتصعيد المخاوف من توريط حماس والجهاد للبنان في معركة مع الكيان الصهيوني، وفي ذلك ليس مستبعدًا أن تبدأ حملة سياسية في لبنان تحت عنوان طرد حماس والجهاد…

اظهر المزيد

مواضيع ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى